صامد

صامد

الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

أبحث عن بوكيمون بقلم:ناريمان شقورة

صامد للأنباء -


 أبحثُ عن بوكيمون

منذ أن أطل علينا عالم الألعاب الالكترونية بلعباتِه الغريبة وأصبح الناس مشدودين بشكل لافت إلى الأجهزة الذكية وخاصةً الهواتف منها، ولم نعُد نستطيع التواصل مع الأشخاص تحديداً الشباب منهم كما قبل، حيث كل الرؤوس مطأطئِة إلى الهواتف لا تكاد تُرفع إلا في الحاجة لذلك، لعبت الشبكة العنكوبوتية منذ حلت على عوالمنا أدوراً عديدة ومتنوعة منها التثقيفي والتعليمي، إضافة إلى السياسي والاقتصادي والديني والتسويقي والترويجي، كما أيضا الترفيهي المُسَلي وهو الأكثر انتشارا والأوسع خاصةً في دولنا.
ليست المشكلة إطلاقا في استخدام هذه الشبكة بشتى الطرق على قدر ما هي في كيفية استخدامها من جهة، وزرع ثقافة مُعينة عبرها من جهة أخرى، والأهم من كل هذا هو الغرض الذي تؤديه، انتشرت في الآونة الأخيرة لعبة (البوكيمون غو) نسبةً إلى الكرتون الياباني الذي انتشر في التسعينات وحقق انتشاراً عالمياً واسعاً، وتدور فكرة هذه اللعبة حول وجود تلك الكائنات الخيالية في عالمنا الحقيقي والاستدلال عليها من خلال التطبيق الخاص بها عبر الهواتف الذكية المزودة بالخرائط الجغرافية والتي تُحدد أماكن تواجد الأشخاص بدقة مناهية وأماكن وجود البوكيمونات، ومن ثم وجوب القضاء عليها للحصول على نقاط تُضاف إلى رصيد اللاعب لتمكنه من المنافسة على مستوى عال يمتد إلى قتال دولي بين لاعبين من مختلف أرجاء العالم.
انتشر حديثا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الإخبارية والاجتماعية وفي أخبار الطرائف مقاطع فيديو يظهر فيها الناس يعرقلون حركة السير واصطدامات واغلاق لبعض الطرقات بسبب البحث عن بوكيمونات والقضاء عليها عبر الخدمات التي تقدمها الهواتف الذكية والمرتبطة بالتكنولوجيا والخرائط ما يسهل الوصول إلى الأماكن الجغرافي الذي تتواجد فيها هذه الكائنات الخيالية في العالم الحقيقي.

لم يتوقف الأمر عن كون (البوكيمون) مجرد لعبة عادية بل تطور الأمر إلى أن تصدر السعودية مؤخرا فتوى تحرم هذه اللعبة وذلك من خلال تجديد فتوى أصدرتها في 2001 حول تحريمها كلعبة ورق باعتبارها نوع من أنواع القمار والمَيْسِر من جهة وأنها تحمل رموزا لآلهة عديدة وللمنظمات الماسونية وغيره.
وبعيدا عن التحريم والتحليل والنظرة الدينية للأمر هناك سؤال الذي يدور في ذهني الآن، ما هي الجدوى من تلك الألعاب وإلى أي حدٍ هي مفيدة للإنسان؟ خاصة وأنها تبث روح القتال والعدائية ولا تغرس قيماً ولا تعزز مبادئ للإنسانية بل العكس تماما.

كان وإلى فترة قصيرة الانتقال من العالم الافتراضي إلى الواقعية هو الأمر الطبيعي، لكن ما يحدث في يومنا هذا هو الهروب من العوالِم الحقيقية إلى الافتراضية من خلال قضاء الساعات الأطول على الشبكة العنكبوتية والمحادثة مع شخصيات مجهولة لا نعرفها ولا نعرف عنها إلا ما ترويه لنا(فيتحدث الشاب باسم فتاة والعكس، ويقوم الأطفال دونما السن المسموح فيه استخدام المواقع بوضع تواريخ ميلاد وهمية تمكنهم من الدخول إليها، ناهيك عن الصور الوهمية والمنشورات المسروقة من هنا وهناك،و.......الخ) مروراً بالعمل الحقيقي على صيد كائنات خيالية في العالم الحقيقي، وهو الخطر بحد ذاته الذي يحدق بالعقل البشري الذي أخذ يطارد وهماً يصدقه ويسخر من طاقاته لصيده.
لا ينكرُ عاقلٌ منا الأهمية الكبيرة للانترنت وما يحمله من فوائد جما للبشرية بأكملها في كافة مناحي الحياة إذا ما استخدم بالشكل الصحيح، ولا نستطيع تجاهل الأدوار التي يؤديها من تعليم وتثقيف وإِخْبار وتزويد بالمعرفة والمساعدة في العلاج والتداوي والبيع والشراء وتعزيز العلاقات الاجتماعية وربط أقطاب الكرة الأرضية ببعضها عبر التكنولوجيا وغيره من أدوار، وفي الحديث عن (البوكيمون غو) ربما عملت هذه اللعبة إلى تنشيط عدداً لا بأس به من الكسالى وقليلي النشاط بجعلهم يركضون بحثاً عن بوكيمونات وأجبرتهم على الحركة عوضاً عن الجلوس طيلة الوقت مما جعلهم أكثر حيوية لكنها سرقتهم من واقعيتهم بما تحمله من أمور تستحق الوقت والجهد المهدورين في الوهم الذي صدقوه.

اعتقد أن علينا الالتفات بعض الشيء إلى أنفسنا وأبنائنا وكلها أمانة في رقابنا، فلنتوجه إلى الترفيه في أوقات الفراغ الذي لا يفقدنا من إنسانيتنا عناصر الأمان والاستقرار والهدوء، ولا ضرر من بعض الخيال لكن لا اسبتدال الواقع بالافتراض من ناحية، ولا تعزيز العنف والسيطرة كثقافة وإن كان من خلال اللعب.
لمَ لا يتوجه مبتكرو هذه الألعاب إلى غرس القيم البيئية والصحية مثلا؟ لم لا يكون غرس الأشجار أو زرع الورود وإزالة القمامة هي نقاط فوز في تلك الألعاب؟ لم لا تكون مساعدة الآخرين غير القادرين على إنجاز بعض الأعمال هو طريقة لتجميع تلك النقاط والمنافسة عليها؟
هناك الكثير من الأمور الترفيهية مثل المشي والجري والرياضة بشكل عام والموسيقى والرسم وممارسة الهوايات التي نحب من شأنها أن تخفف علينا ضغوط الحياة والدراسة والعمل والصعاب اليومية وتبقينا جميلين نحافظ على آدميتنا وإنسانيتنا المهددتين أصلا في ظل الحروب الحالية الأهلية والدولية المنتشرة.

بقلم:
ناريمان شقورة


0 التعليقات:

إرسال تعليق

فلسطيني وأفتخر

فلسطيني وأفتخر