صامد للأنباء -
رغم أن طرفي الصراع السياسي الداخلي، حركة فتح والسلطة من جهة وحركة حماس من جهة مقابلة، طويا فصل الجدل الأخير، المتعلق بوجود سلطة لحماس على الأرض، في غزة، أشار إليها الرئيس محمود عباس، قبل أيام، مشيراً - بحق - إلى أنها تحول دون إنجاز فعلي وحقيقي، وربما فوري للمصالحة ولإنهاء الانقسام، إلا أن التصرف الدبلوماسي، خاصة في ظرف خرجت منه غزة لتوها من "مجزرة" دموية، ومن كارثة دمار قامت بها إسرائيل التي ما زالت تسعى للإبقاء على الانقسام، لا ينفي وجود ظاهرة الحكم الفعلي على الأرض لحركة حماس في غزة، وما يمثله ذلك من عقبة حقيقية وكأداء تعترض طريق إنهاء الانقسام، وإتمام المصالحة.
تواصل حركة حماس اجترار الوهم وملاحقة السراب، حيث ما زالت تعتقد بأنه يمكنها أن تمضي قدماً في سياستها المتفردة، وفي شق طريق تخريب المشروع الوطني الفلسطيني حتى تقيم على أنقاضه مشروعها السياسي / الإخواني، رغم الحقائق التاريخية، البعيدة والقريبة التي تقول باستحالة ذلك، ومنها أن وجود الأخوان مضت عليه أكثر من ثمانية عقود دون أن يتحقق، وقد تأكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، حين سقط الإخوان سقوطاً مدوياً بعد وصولهم لحكم مصر، ورغم الدعم الإقليمي (قطر وتركيا) والدولي المتمثل بأميركا والتنظيم العالمي، كذلك تجربة حماس نفسها في الحكم، والتي تعتبر تجربة بائسة بكل معنى الكلمة، فهي لم تستثمر بشكل جيد أو طبيعي، فرصة فوزها بانتخابات عام 2006، فقط، حيت تعاكست مع النظامين الإقليمي والدولي، وحتى مع النظام الفلسطيني نفسه، وذهبت إلى حد الانقلاب على السلطة والنظام، الذي دخلت إليه لتوها، لأنها تفكر في إقامة نظام بديل، لكنها قادت غزة خلال سبع سنوات إلى "الحضيض" حيث تسببت في فرض حصار متواصل عليها، لم يتحقق خلالها أي وهم حمساوي بقدرة قطر وتركيا وفعاليات التنظيم العالمي بفك الحصار، وعانى القطاع من ثلاث حروب جلبت الويلات على القطاع الفقير والمضغوط والمعزول أصلاً.
وما أن تلوح لها دولة هنا أو دولة هناك بكيس من الدعم حتى تهرول إليها وتضع بيضها في سلتها، فمن تحالف مع محور الممانعة، إلى الانخراط في المحور التركي/ القطري، وكل هذا يدل على سذاجة سياسية لا حدود لها، تؤكد استحالة أن يكون بمقدور مثل هذه الحركة السياسية أن تقود الشعب الفلسطيني في يوم من الأيام، لذا فحماس تتقن القيام بدور المعارض أو بمعنى أدق المعترض، وحالها مثل حال الإخوان/ التنظيم الأم، تتقن التخريب أكثر مما تتقن الأعمار، ولا تنجح أبداً في القيام بدور القيادة المسؤول، وهي لم تستطع حتى أن توفر رواتب نحو أربعين ألف من محاربيها الذين يشكلون أدوات حكم الظل الخاص بها، والذين لم ينبسوا ببنت شفة، حين كانت حكومتهم تعجز عن توفير رواتبهم، لكنهم بين ليلة وضحاها، وبإيعاز حركي شكلوا "نقابة" خاصة بهم، وهي بالمناسبة أمامها أحد خيارين: إما أن تنضوي ضمن نقابة العاملين في مؤسسات السلطة أو تعلن عن حل نفسها، لأنها بهذا الشكل، تمثل مظهراً انقسامياً، كما لم تقم خلال سبع سنوات ببناء مدرسة أو مستشفى أو تعبيد طريق ولا حتى بحل مشكلة الكهرباء.
المهم في الأمر أن "حماس" وعلى لسان إسماعيل هنية نفسه، أكدت منذ لحظة التوقيع على إعلان الشاطئ أنها تغادر الحكومة ولا تغادر الحكم، وهذا اعتراف صريح بحرصها على بقاء حكمها في الظل، وهي هذه المرة وكأنما تعيد كرة 2006 للسلطة، حين استلمت الحكم في ظل وجود أجهزة أمن منحازة لحركة فتح، ومؤسسات سلطة هي اقرب لفتح أيضا، ورغم ذهابها لحكومة الوحدة الوطنية لتجاوز الرفض الدولي الذي حال دون الدعم المالي الذي يوفر رواتب الموظفين العموميين، إلا أنها ادعت أن وجود "حكم فتح" في الظل، أي عدم ولاء أجهزة الأمن لقرار حكومتها هو ما دفعها أولا لتشكيل "القوة التنفيذية" ومن ثم إلى الانقلاب.
هل يعني هذا أن التاريخ يعيد نفسه، وان عودة السلطة إلى غزة بحاجة لانقلاب مضاد، أم أن الأمر يحتاج على الأقل، إلى وقت أطول مما يعتقد الكثيرون، كذلك إلى إجراءات عديدة مثل اتخاذ قرار بضم كل الجماعات المسلحة التي كانت أداة إجهاض الديمقراطية الداخلية وشن الحرب الداخلية، لأجهزة الأمن الثلاثة: الأمن الوطني، الأمن الداخلي، والمخابرات، وفق القانون العام المتفق عليه سابقاً، ولأن غزة بالذات ارض محررة من الاحتلال، لذا يجب رفع شعار: كل المقاومة في الضفة والقدس، كذلك إخضاع الأحزاب السياسية والفصائل أولها - في غزة، لقانون الأحزاب، حتى تخرج من دائرة عدم المساءلة الشعبية، ومعرفة مصادر تمويلها، وقطع أيادي العبث الخارجية في الداخل الفلسطيني.
أما ما يخص هو ما تصر حماس على إثارته، بما يتعلق بقضية رواتب موظفيها في غزة، فلا مفر من تكرار ما سبق وقلناه سابقا من التعامل مع هذه المسألة كقضية أفراد مواطنين، ليسوا موظفين أبدا، خاصة العسكريين منهم، فلا يعقل أن تقر أولا بتعيينات عشوائية، ثم أن تصرف لمن لا يحتكم بأمرك، والأهم، هو الإصرار على نزع قرار الحرب والسلم من بين يدي طرف سياسي، فمثل هذا القرار إنما هو قرار سيادي، وكانت تجربة أيام البحث عن وقف النار خير دليل على ذلك، فلا يعقل وجود رئيس، لا يملك سلطة قرار وقف النار، فضلاً عن سلطة إطلاقه بالطبع، ثم المطالبة بعد ذلك بأن يتحمل كل أعباء ما تجره القرارات السياسية الحمقاء من أعباء وتبعات طالت أحوال مئات الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني، ومشروعهم الوطني الذي ما زال وسيبقى يتعرض للخطر الدائم، ما دام الضعف والتعب الداخلي مشكلاً على صورة قوة سياسة اسمها: حماس.
0 التعليقات:
إرسال تعليق