صامد للأنباء -
قال الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات عن الشهيد عاطف " البطل القومي ".
"في مثل هذا اليوم 8 حزيران عام 1992 انطلقت رصاصات غادرة في ليل
باريس إلى راس الشهيد القائد عاطف بسيسو, من مسدس كاتم للصوت, غير أن الرصاصات التي لم يسمع أحد في الشارع أمام فندق"الميرديان" صوتها, دوت خلال ساعات في العالم كله لتتحدث وسائل الإعلام عن قيادي فلسطيني لم يسمع به كثيرون.
حتى أن شعبنا في الأرض المحتلة استقبل الحدث بدهشة, و الضجة التي ثارت حول اغتياله بدهشة اكبر, فلم يكن وجها معروفا لدى وسائل الإعلام, اختار الظل طوال حياته ونضاله في الثورة الفلسطينية وحاولت إسرائيل طمس الحقيقة وإبعاد الشبهة عن نفسها, ولكن الحقيقة ظهرت والخيوط أوصلت للجهة الحقيقية التي دبرت عملية اغتيال عاطف بسيسو الذي وصفه " أبو عمار" بـ " البطل القومي ".
و يستطيع القارئ تقدير حجم الخسارة بسقوط عاطف بسيسو بعد أن يطلع من خلال الحلقات المسلسلة لـ " رجل الظل " على القدر الذي استطعنا تقديمه للقارئ و الذي سمح بنشره..
و تبقى جوانب و إنجازات عظيمة في حياة عاطف بسيسو ستجد طريقها يوما للمعرفة العامة والنور, والذي يعتبر أسطورة أمنية فلسطينية يعترف بها الأعداء والأصدقاء, آمن بحق شعبه بالحياة حتى قدم حياته بزهد المؤمنين كي يرى شعبه دولة مستقلة لم يستطع أن يراها بنفسه.
فكانت المرارة اكبر في نفوس أحبائه و زملاؤه في الرحلة الطويلة, رحلة الشجاعة و الإقدام في حرب الأشباح بلا هوادة انطلاقا من الأراضي الرملية المتحركة و الصخرية الصلبة وفي كل الظروف نحو الهدف, وبعد أن اعد عاطف بسيسو تصورا للأمن الفلسطيني.
وكلما تعثرت الرحلة على ارض الوطن شعر الرفاق بحاجتهم إلى وجودة "أبو إياد" وعاطف بسيسو بينهم, لان فرحة إقامة الدولة بدونهم تبقى فرحة حزينة مكتومة بالدموع و الآلام".
بعد عام 1967 بدأت حركة "فتح" تشعر بأهمية وجود جهاز أمن لحماية الثورة الفلسطينية, خاصة أن المخابرات الإسرائيلية نشطت في دفع العملاء و تجنيدهم لاختراق الثورة الفلسطينية,من خلال سيل المتطوعين الذين وفدوا على قواعد حركة " فتح " و التنظيمات الفلسطينية في الأردن, لكن هذا التوجه لم يكن سهلا في البداية بسبب حساسية الشعب الفلسطيني الذي كان يعاني من الاضطهاد , و خاصة على مستوى الثورة الفلسطينية بتقبل العمل الأمني ألمخابراتي, فلجأت حركة " فتح " إلى تسميات حاولت بها الابتعاد عن الحساسيات مثل" الرصد " و " الأمن و المعلومات " و غير ذلك..
كما كان الهدف الاستطلاع خلف خطوط العدو و رصد تحركاته العسكرية و كان من ابرز المؤسسين زكريا عبد الرحيم-أبو يحيى و هاني الحسن, عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح ".
تم تأسيس جهاز" الانضباط العسكري" بعد معركة الكرامة و تولى مسئوليته زكريا عبد الرحيم و موسى عرفات ثم في عام 1969 تولى ذلك هاني الحسن.
في تلك الفترة قامت أيضا حركة " فتح " بتشكيل التنظيم الطلابي في لبنان, و لكن سرعان ما قام المكتب الثاني بالقضاء على هذا التنظيم و إلقاء القبض على رموزه , نتيجة لان التنظيم لم يتخذ قواعد السرية المطلقة في عمله.
فتقرر إعادة ترتيب الوضع التنظيمي لحركة " فتح " في لبنان, و تقرر تأسيس اللجان الطلابية, و كلفت لجنة مكونة من " لمعي قمبرجي و أميل خوري " بإعادة البناء التنظيمي لحركة " فتح " في لبنان, فقاموا بتشكيل لجنة طلابية بسرية مكونة من ثلاثة أشخاص:"نزار عمار, عاطف بسيسو و سمير أبو غزالة "الحاج طلال" .
و قامت هذه اللجنة بتشكيل التنظيم الطلابي لحركة " فتح", فأسسوا لجنة التنظيم للجامعة الأمريكية في بيروت , و لجنة" جامعة بيروت العربية ", و كان من ضمن هذه اللجنة " طارق أبو رجب ".
شكلوا خلايا خماسية منفصلة عن بعضها , إضافة إلى لجان التنظيم في معاهد " الاونروا " مثل معهد " VTC"و معاهد الاونروا للتدريب المهني, فتشكلت نواة التنظيم السياسي من التنظيم الطلابي.
كانت مهام التنظيم تحديد كوادر طلابية إعلامية,لمهام طباعة و توزيع البيانات الصادرة عن قوات العاصفة على وسائل الإعلام بسرية مطلقة, فكان نزار عمار يتولى تزويد ثلاثة صحف,و أبو غزالة ثلاث صحف و عاطف بسيسو ثلاث صحف أخرى.
و كان توزيع النشرات و البيانات على الصحف سرا دون احتكاك مباشر مع الصحافة.
إضافة إلى توزيع كتيبات حركة " فتح " الأساسية على الشخصيات السياسية, ثم تطور هذا العمل إلى إقامة علاقات " المساندين" من اللبنانيين للثورة الفلسطينية و لحركة " فتح " , في الوسط السياسي و الإعلامي, و هذه المهام أوكلت للآخرين من الكوادر في حركة " فتح ".
و في أوائل عام 1968 وصل صلاح خلف " أبو اياد " إلى بيروت قادما من عمان و معه تكليف من اللجنة المركزية لحركة " فتح " بتشكيل جهاز أمن أطلق عليه اسم " الرصد الثوري ".
و في البداية قام "إميل خوري "و " لمعي قمبرجي" بترشيح" نزار عمار " ليفرز من التنظيم للعمل مع جهاز الرصد الثوري برئاسة" أبو أياد ". كما أضيف عاطف بسيسو كاسم آخر..
الابن المدلل:
ولد عاطف بسيسو في مدينة غزة عام 1948 في بيت والديه بحي الرمال لعائلة فلسطينية ثرية, يمتد تاريخه لاكثر من أربعمائة عام قبل مجيء مؤسس العائلة من الشام,و كان لهذه العائلة"بسيسو" أملاك كثيرة في مدينة غزة و بئر السبع,و اشتهرت العائلة بالتجارة و المتعلمين الذين انهوا دراستهم الجامعية في أستا نبول بتركيا خلال الحكم العثماني لفلسطين و بلاد الشام.
كان خال والده " عاصم بسيسو " أحد مؤسسي " المنتدى الوطني " في تركيا, و هو تجمع وطني قومي عربي ينادي باستقلال الأمة العربية, و حكم عليه بالإعدام.
و كان " خليل بسيسو " جد والده رئيس البلدية و عضو مجلس مبعوثان " البرلمان العثماني".
كان والده " فائق بسيسو " يعمل مديرا لبنك " الأمة العربية" في الخليل و غزة, كما كان أمينا لـ "صندوق الأمة " الذي كانت مهمته إنقاذ ارض فلسطين من اليهود, و اعتقل والده ثلاث مرات خلال الانتداب البريطاني , و نفي إلى طبريا شمال فلسطين و مرة أخرى إلى " عسلوج " جنوبها, و كان من قادة الثورة الفلسطينية عام 1936.
و كان والده يحب الصيد, كما كان يأخذ معه" عاطف " إلى الصيد في قطاع غزة,و عندما بلغ " عاطف" 12 عاما, اشترى له والده سيارة " لاندروفر " مستعملة,من قوات الطوارئ الدولية العاملة في قطاع غزة, أثناء الحكم المصري لقطاع غزة,و كانت قوات الطوارئ الدولية تبيع أحيانا بعض سياراتها المستعملة..
تركت هذه الهواية بصماتها لاحقا على الشاب المدلل فنشا يحب السيارات و الصيد و المغامرة..و لم يتخلى عن هوايته طوال حياته و حتى استشهاده..
و في عام 1965 كان صخر بسيسو "محافظ خان يونس و نائب سر المجلس الثوري لحركة " فتح " حاليا", يحمل بعض نشرات العاصفة, في مهمة تنظيمه لحركة " فتح ", و توجه إلى والد "عاطف " في غزة و سلمه النشرات, إشارة إلى أن " المبعوث أمين ", و فهم والد " عاطف " الرسالة, فطلب منه صخر دعما ماليا لحركة" فتح ", فأعطاه في حينها مبلغ ألف جنيه ..
و عاد صخر بالمبلغ إلى أحد رموز حركة " فتح " حيث سلم المبلغ مجددا إلى " أبو صبري ".
في ذلك الوقت لم يكن " عاطف بسيسو" يعلم أن صخر عضو بتنظيم حركة "فتح ",
هذه الحادثة كانت منعطفا في حياة عاطف بسيسو, رغم انه يعلم بها في حينه, و لكنه وجد نشرات حركة "فتح" في مكتب والده, فاطلع عليها و اهتم بها و اصبح يتابع أخبار حركة " فتح " و يتمنى الانضمام إليها فقد وجد ضالته..
و في عام 1967 كان " عاطف بسيسو " يدرس الحقوق في جامعة بيروت العربية,و كان لأسرته منزل في القاهرة في شارع عبد العزيز فهمي, و هناك عرف بانتماء " صخر بسيسو " لحركة " فتح ", بعد أن غادر القاهرة إلى دمشق للتدريب العسكري في تشرين الثاني 1967, و بعد عودة" صخر " إلى لقاهرة, تحدث عاطف عن رغبته بالمشاركة و التدريب في حركة " فتح " و قال لصخر انه قرا النشرات التي كانت تصل إلى والده في مدينة غزة.
وافق "صخر بسيسو " على انضمامه لحركة" فتح" و رشحه أيضا عام 1968 للانضمام لجهاز " الرصد" , و كان "عاطف بسيسو" من أوائل الذين اعتقلوا في لبنان عام 1968.
اغتيال تحت الأضواء الكاشفة
بعد منتصف الليل بقليل عاد " عاطف بسيسو" إلى الفندق، و كان جالسا بجانب " سهيل راشد" الذي كان يقود السيارة و في المقعد الخلفي كانت تجلس " فاطمة بيضون"، توقفت السيارة أمام بوابة الفندق الرئيسية، و نزل " عاطف بسيسو" من السيارة، و انحنى محاولا ثني المقعد حتى تنزل " فاطمة بيضون " لتركب في المقعد الأمامي بجانب " سهيل راشد"..
في تلك الأثناء كان رجلين بملامح أوروبية، شعرهما قصير، يرتديان ملابس رياضية، جالسين على درج مؤدي إلى " نايت كلوب"..
كان " عاطف بسيسو" منحنيا فتقدم الرجلان، و أحدهما يحمل حقيبة على ظهره، و لم يشاهدا وجه عاطف بسيسو فتقدم أحدهما من الخلف، و أمسك بشعره و دفعه بقوة إلى مقدمة السيارة، ووقف الآخر يشهر مسدسا على فاطمة وسهيل، عندما حاولت فاطمة بيضون الصراخ..
وفورا أخرج القاتل مسدسا مزود بكاتم صوت، و كان المسدس مربوط بكيس بلاستيكي، و أطلق ثلاث رصاصات على رأس "عاطف بسيسو" و من مسافة قريبة جدا، ووقعت الرصاصات الفارغة في الكيس..
و بعد أن أنهى القاتل مهمته ألصق على سترة " عاطف بسيسو" جهاز إرسال لا سلكي و تصادف مرور سيدة فرنسية عجوز فصرخت، فانسحب الرجلان و هما يوجهان مسدساتهما إلى المارة لإسكاتهم..
هرب القاتلان خلف الفندق إلى شبه جسر كممر يؤدي إلى الشارع حيث كان في انتظارهما سيارة حملتهما بعيدا..
أسرعت فاطمة بيضون إلى داخل الفندق و اتصلت بممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس إبراهيم الصوص، كما اتصلت بمسؤول فلسطيني آخر و أبلغتها بالحادث، و أرسل الخبر فورا إلى "أبو عمار" حيث كان في الأردن يتلقى العلاج بسبب حادث سقوط الطائرة، و كان رده فورا: المخابرات الإسرائيلية قتلت عاطف".. و كان تعليق " أبو عمار" نتيجة للمعلومات و التحذيرات التي وصلت لمنظمة التحرير الفلسطينية و تداولتها أجهزة الأمن الفلسطينية، فكانت الجهة التي تقف خلف الحادث معروفة..
لم يكن " إبراهيم الصوص" على علم بزيارة "عاطف بسيسو" لباريس و لم يقم بإبلاغ الصوص أيضا عن موعده مع المسؤولين في المخابرات الفرنسية أو بشأن الزيارة، بينما كان " أبو إياد" يحرص باستمرار على التنسيق مع "إبراهيم الصوص" بشأن أي زيارة كان يقوم بها لفرنسا، وكان اغتيال "عاطف بسيسو" الضربة القوية الثانية التي تلقاها جهاز الأمن الموحد بعد اغتيال " أبو إياد"..
أبو نضال
صدر أول بيان حول اغتيال " عاطف بسيسو" أذاعته فورا إذاعة إسرائيل و تناقلته بعض الإذاعات العربية مثل " مونت كار لو" ادعت فيه إذاعة إسرائيل أنه صادر عن جماعة " أبو نضال" و لكن قراءة البيان تؤكد أنه بيان مدسوس مزور يختلف كليا عن البيانات التي يصدرها تنظيم أبو نضال.
و بعد صدور هذا البيان، عقد " وليد خالد" الناطق الرسمي لتنظيم " أبو نضال " مؤتمرا صحفيا، نفى فيه تماما أي علاقة لتنظيم " فتح" المجلس الثوري " بعملية اغتيال " عاطف بسيسو"..
حركة كاخ
ثم ظهر عدد من قيادات حركة " كاخ" الإسرائيلية المتطرفة يشربون نخب اغتيال " عاطف بسيسو" بعد أن أعلنت حركة " كاخ" مسؤوليتها عن اغتياله..
و بعد تسعين دقيقة أعلنت منظمة إسرائيلية متطرفة أخرى مسؤوليتها عن اغتيال " عاطف بسيسو"، أطلقت على نفسها تسمية " أرواح كاهانا" و هي منظمة منبثقة عن حركة " كاخ" و قد قتل زعيمها " كاهانا " في الولايات المتحدة الأمريكية عام1990..
فرنسا
قام السفير الفرنسي في تونس بالتوجه إلى أسرة الشهيد "عاطف بسيسو" لتقديم كتاب تعزية من وزير الخارجية الفرنسي "رولان دوما" باسم الحكومة الفرنسية لأسرة الشهيد و منظمة التحرير الفلسطينية، فقالت له زوجة "عاطف بسيسو" التي تجيد اللغة الفرنسية: "إننا نطالبكم باسم عائلة بسيسو و باسم الشعب الفلسطيني إن تسارع الحكومة الفرنسية بالقبض على القتلة و تقديمهم للمحاكمة، و الكشف عن هويتهم للعالم أجمع حتى يعرف من هم الإرهابيون الحقيقيون في العالم"..
رئيس مركز الدراسات الفرنسية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "جون ماري دولا جورس "أكد " على توجيه الاتهام لإسرائيل بتدبير اغتيال "عاطف بسيسو" و تحدث عن أهمية "عاطف" و مغزى اغتياله و أشار إلى أنه من الكوادر المؤهلة للقيادة و خاصة بأن أبو عمار اصبح وحيدا بعد اغتيال كثير من القيادات الفلسطينية التاريخية، و أضاف أن العملية تنطوي على رهان للقضاء على القضية الفلسطينية و لكن وقت الرهان للقضاء على القضية الفلسطينية قد فات لأن روح المقاومة تغلغلت تماما في دماء الشعب الفلسطيني بفضل عطاء مناضلين شرفاء أمثال " عاطف بسيسو"..
جامعة الدول العربية
اتهمت جامعة الدول العربية إسرائيل بارتكاب جريمة اغتيال "عاطف بسيسو" و قالت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان رسمي أصدرته "إن استغلال إسرائيل للحملة الانتخابية الدائرة في داخلها، باتباع مزيد من سياسة العنف و القتل و الملاحقة لن تحقق السلام، لأن تحقيق السلام يتم من خلال المصالحة التاريخية و الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني"..
و حذرت جامعة الدول العربية في بيانها من عواقب استمرار هذه الأعمال الإرهابية و طالبت بالعمل على تحقيق المناخ الملائم لاستمرار عملية التفاوض من أجل السلام العادل والشامل في منظمة الشرق الأوسط، و الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني و كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد وجهت مذكرة رسمية قبل أسبوع من اغتيال " عاطف بسيسو" و على ضوء المعلومات التي تداولتها أجهزة الأمن الفلسطينية، حذرت في تلك المذكرة من نوايا المخابرات الإسرائيلية المقررة في 22 حزيران 1992..
البرلمان الأوروبي
أدان البرلمان الأوروبي جريمة اغتيال " عاطف بسيسو" و أصدر البرلمان الأوروبي بيانا رسميا من مدينة " ستراسبورغ" الفرنسية، استنكر فيه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد لبنان و اغتيال المسؤول الفلسطيني " عاطف بسيسو" في باريس..
الجنازة
و في 10 حزيران 1992 شيعت القيادة الفلسطينية و عدد من كبار المسؤولين التونسيين و المئات من الجماهير الشعبية جنازة الشهيد " عاطف بسيسو" إلى مثواه الأخير في مقبرة " شهداء فلسطين" في منطقة حمام الشط بضواحي العاصمة التونسية.
و كان جثمان الشهيد " عاطف بسيسو" قد نقل بعد صلاة الجنازة إلى النصب التذكاري الذي يخلد ذكرى الشهداء الفلسطينيين و التونسيين الذين سقطوا ضحايا للغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط في أكتوبر 1985..
و قد رافق موكب الجنازة عدد من كبار المسؤولين الفلسطينيين في اللجنة التنفيذية لمنظمة لتحرير الفلسطينية و اللجنة المركزية لحركة " فتح" و المجلس الثوري مثل الرئيس : محمود عباس " أبو مازن"،و حكم بلعاوي، عبد الله الحوراني، أحمد قريع "أبو العلاء"، أحمد عبد الرحمن، محمد غنيم "أبو ماهر" ، إلى جانب أفراد من عائلة الشهيد " عاطف بسيسو" و كبار المسؤولين التونسيين و الشخصيات الوطنية التونسية ..
و قد أقيم ضريح الشهيد "عاطف بسيسو" إلى جانب أضرحة الشهداء " صلاح خلف" أبو إياد"، هايل عبد الحميد " أبو الهول" ، فخري العمري " أبو محمد"..
و أكد أبو ماهر غنيم في كلمة التأبين على أن هذه الجريمة الإسرائيلية لن تجعلنا نتراجع عن خيار السلام..
الأرض المحتلة
في بيت عائلة " عاطف بسيسو" أقيم صوان العزاء و جاء المئات من سكان قطاع غزة لتعزية العائلة.. و أعلنت التنظيمات الفلسطينية المختلفة في الأراضي المحتلة أن "عاطف بسيسو" شهيد الانتفاضة و قال "رفيق بسيسو" عم الشهيد : "سمعنا مفاجأة مفجعة عن موت ابننا، كان بطلا و خلوقا، لم يكن له أعداء و يبدو أن جهات إسرائيلية لها يد في هذه الفعلة"..
و قال عماد بسيسو أحد أقارب عاطف " الموساد قتل عاطف بسيسو، وكان الموساد يهدف لقتله و فعل ذلك"..
وفور الإعلان عن اغتيال "عاطف بسيسو" خرج سكان غزة للشوارع، فاندلعت المظاهرات العنيفة خاصة في منطقة الرمال، مقر إقامة عائلة " عاطف بسيسو" و قد بدأت المظاهرات بعد أن أعلن أن "عاطف بسيسو" اغتيل في باريس..
و قام شباب الانتفاضة برشق الدوريات الإسرائيلية بالحجارة و على أسطح المنازل رفعت الأعلام الفلسطينية، و أعلنت ثلاثة أيام حداد في قطاع غزة ..
و في الماضي رفضت السلطات الإسرائيلية دفن جثمان الشاعر " معين بسيسو ابن عم " عاطف بسيسو" " في غزة، و دفن الشاعر الفلسطيني في القاهرة، كما دفن عاطف بتونس ..
و قد امتدت المواجهات بين شباب الانتفاضة و الجيش الإسرائيلي في مختلف مناطق قطاع غزة، و قد أصيب العشرات من شبان الانتفاضة بجراح في تلك المواجهات في غزة، مخيم الشاطئ، و خانيونس، و امتدت المواجهات أيضا إلى طولكرم و الخليل و بيت لحم و باقي المدن الفلسطينية..
و قام الجيش الإسرائيلي باقتحام منزل عائلة "عاطف بسيسو" في غزة، بحي الرمال و صادروا صور الشهيد و الأعلام الفلسطينية..
البطل القومي
بعد أن تماثل الرئيس " أبو عمار " للشفاء إثر العملية الجراحية في إحدى المستشفيات الأردنية، أقيم مهرجان تأبيني بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوما على استشهاد "عاطف بسيسو" في 17 تموز 1992 بتونس"، وألقي الرئيس أبو عمار كلمة قال فيها "إن استشهاد عاطف بسيسو هو جزء من ثمن قرار الشعب الفلسطيني بأن يعيش حرا كريما مستقلا، مهما عظمت التضحيات و مهما طال الزمن"..
و حيا " أبو عمار" روح الشهيد " عاطف بسيسو" و ثمن تضحيته أثناء قيامه بمهمة هامة في سلسلة مسؤولياته التي تحملها بأمانة و إخلاص ، ووصف "عاطف بسيسو" بـ" البطل القومي".. وجاء في كلمة مؤثرة ألقاها أمين الهندي، عضو المجلس الثوري لحركة " فتح" و نائب رءيس جهاز الأمن الموحد، قال " أنت حي في ضمير الأحبة، و أنت السيف البتار الذي سيبقى أبدا و دوما ، و أنت معهد للعلاقات الدولية، سنبنيه و فيه سيتعلم أبناء فلسطين السير في الأنوار و السباحة ضد التيار، و أنت ركن في أكاديمية "صلاح خلف ـ أبو إياد" للدراسات الأمنية..
قال الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات عن الشهيد عاطف " البطل القومي ".
"في مثل هذا اليوم 8 حزيران عام 1992 انطلقت رصاصات غادرة في ليل
باريس إلى راس الشهيد القائد عاطف بسيسو, من مسدس كاتم للصوت, غير أن الرصاصات التي لم يسمع أحد في الشارع أمام فندق"الميرديان" صوتها, دوت خلال ساعات في العالم كله لتتحدث وسائل الإعلام عن قيادي فلسطيني لم يسمع به كثيرون.
حتى أن شعبنا في الأرض المحتلة استقبل الحدث بدهشة, و الضجة التي ثارت حول اغتياله بدهشة اكبر, فلم يكن وجها معروفا لدى وسائل الإعلام, اختار الظل طوال حياته ونضاله في الثورة الفلسطينية وحاولت إسرائيل طمس الحقيقة وإبعاد الشبهة عن نفسها, ولكن الحقيقة ظهرت والخيوط أوصلت للجهة الحقيقية التي دبرت عملية اغتيال عاطف بسيسو الذي وصفه " أبو عمار" بـ " البطل القومي ".
و يستطيع القارئ تقدير حجم الخسارة بسقوط عاطف بسيسو بعد أن يطلع من خلال الحلقات المسلسلة لـ " رجل الظل " على القدر الذي استطعنا تقديمه للقارئ و الذي سمح بنشره..
و تبقى جوانب و إنجازات عظيمة في حياة عاطف بسيسو ستجد طريقها يوما للمعرفة العامة والنور, والذي يعتبر أسطورة أمنية فلسطينية يعترف بها الأعداء والأصدقاء, آمن بحق شعبه بالحياة حتى قدم حياته بزهد المؤمنين كي يرى شعبه دولة مستقلة لم يستطع أن يراها بنفسه.
فكانت المرارة اكبر في نفوس أحبائه و زملاؤه في الرحلة الطويلة, رحلة الشجاعة و الإقدام في حرب الأشباح بلا هوادة انطلاقا من الأراضي الرملية المتحركة و الصخرية الصلبة وفي كل الظروف نحو الهدف, وبعد أن اعد عاطف بسيسو تصورا للأمن الفلسطيني.
وكلما تعثرت الرحلة على ارض الوطن شعر الرفاق بحاجتهم إلى وجودة "أبو إياد" وعاطف بسيسو بينهم, لان فرحة إقامة الدولة بدونهم تبقى فرحة حزينة مكتومة بالدموع و الآلام".
بعد عام 1967 بدأت حركة "فتح" تشعر بأهمية وجود جهاز أمن لحماية الثورة الفلسطينية, خاصة أن المخابرات الإسرائيلية نشطت في دفع العملاء و تجنيدهم لاختراق الثورة الفلسطينية,من خلال سيل المتطوعين الذين وفدوا على قواعد حركة " فتح " و التنظيمات الفلسطينية في الأردن, لكن هذا التوجه لم يكن سهلا في البداية بسبب حساسية الشعب الفلسطيني الذي كان يعاني من الاضطهاد , و خاصة على مستوى الثورة الفلسطينية بتقبل العمل الأمني ألمخابراتي, فلجأت حركة " فتح " إلى تسميات حاولت بها الابتعاد عن الحساسيات مثل" الرصد " و " الأمن و المعلومات " و غير ذلك..
كما كان الهدف الاستطلاع خلف خطوط العدو و رصد تحركاته العسكرية و كان من ابرز المؤسسين زكريا عبد الرحيم-أبو يحيى و هاني الحسن, عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح ".
تم تأسيس جهاز" الانضباط العسكري" بعد معركة الكرامة و تولى مسئوليته زكريا عبد الرحيم و موسى عرفات ثم في عام 1969 تولى ذلك هاني الحسن.
في تلك الفترة قامت أيضا حركة " فتح " بتشكيل التنظيم الطلابي في لبنان, و لكن سرعان ما قام المكتب الثاني بالقضاء على هذا التنظيم و إلقاء القبض على رموزه , نتيجة لان التنظيم لم يتخذ قواعد السرية المطلقة في عمله.
فتقرر إعادة ترتيب الوضع التنظيمي لحركة " فتح " في لبنان, و تقرر تأسيس اللجان الطلابية, و كلفت لجنة مكونة من " لمعي قمبرجي و أميل خوري " بإعادة البناء التنظيمي لحركة " فتح " في لبنان, فقاموا بتشكيل لجنة طلابية بسرية مكونة من ثلاثة أشخاص:"نزار عمار, عاطف بسيسو و سمير أبو غزالة "الحاج طلال" .
و قامت هذه اللجنة بتشكيل التنظيم الطلابي لحركة " فتح", فأسسوا لجنة التنظيم للجامعة الأمريكية في بيروت , و لجنة" جامعة بيروت العربية ", و كان من ضمن هذه اللجنة " طارق أبو رجب ".
شكلوا خلايا خماسية منفصلة عن بعضها , إضافة إلى لجان التنظيم في معاهد " الاونروا " مثل معهد " VTC"و معاهد الاونروا للتدريب المهني, فتشكلت نواة التنظيم السياسي من التنظيم الطلابي.
كانت مهام التنظيم تحديد كوادر طلابية إعلامية,لمهام طباعة و توزيع البيانات الصادرة عن قوات العاصفة على وسائل الإعلام بسرية مطلقة, فكان نزار عمار يتولى تزويد ثلاثة صحف,و أبو غزالة ثلاث صحف و عاطف بسيسو ثلاث صحف أخرى.
و كان توزيع النشرات و البيانات على الصحف سرا دون احتكاك مباشر مع الصحافة.
إضافة إلى توزيع كتيبات حركة " فتح " الأساسية على الشخصيات السياسية, ثم تطور هذا العمل إلى إقامة علاقات " المساندين" من اللبنانيين للثورة الفلسطينية و لحركة " فتح " , في الوسط السياسي و الإعلامي, و هذه المهام أوكلت للآخرين من الكوادر في حركة " فتح ".
و في أوائل عام 1968 وصل صلاح خلف " أبو اياد " إلى بيروت قادما من عمان و معه تكليف من اللجنة المركزية لحركة " فتح " بتشكيل جهاز أمن أطلق عليه اسم " الرصد الثوري ".
و في البداية قام "إميل خوري "و " لمعي قمبرجي" بترشيح" نزار عمار " ليفرز من التنظيم للعمل مع جهاز الرصد الثوري برئاسة" أبو أياد ". كما أضيف عاطف بسيسو كاسم آخر..
الابن المدلل:
ولد عاطف بسيسو في مدينة غزة عام 1948 في بيت والديه بحي الرمال لعائلة فلسطينية ثرية, يمتد تاريخه لاكثر من أربعمائة عام قبل مجيء مؤسس العائلة من الشام,و كان لهذه العائلة"بسيسو" أملاك كثيرة في مدينة غزة و بئر السبع,و اشتهرت العائلة بالتجارة و المتعلمين الذين انهوا دراستهم الجامعية في أستا نبول بتركيا خلال الحكم العثماني لفلسطين و بلاد الشام.
كان خال والده " عاصم بسيسو " أحد مؤسسي " المنتدى الوطني " في تركيا, و هو تجمع وطني قومي عربي ينادي باستقلال الأمة العربية, و حكم عليه بالإعدام.
و كان " خليل بسيسو " جد والده رئيس البلدية و عضو مجلس مبعوثان " البرلمان العثماني".
كان والده " فائق بسيسو " يعمل مديرا لبنك " الأمة العربية" في الخليل و غزة, كما كان أمينا لـ "صندوق الأمة " الذي كانت مهمته إنقاذ ارض فلسطين من اليهود, و اعتقل والده ثلاث مرات خلال الانتداب البريطاني , و نفي إلى طبريا شمال فلسطين و مرة أخرى إلى " عسلوج " جنوبها, و كان من قادة الثورة الفلسطينية عام 1936.
و كان والده يحب الصيد, كما كان يأخذ معه" عاطف " إلى الصيد في قطاع غزة,و عندما بلغ " عاطف" 12 عاما, اشترى له والده سيارة " لاندروفر " مستعملة,من قوات الطوارئ الدولية العاملة في قطاع غزة, أثناء الحكم المصري لقطاع غزة,و كانت قوات الطوارئ الدولية تبيع أحيانا بعض سياراتها المستعملة..
تركت هذه الهواية بصماتها لاحقا على الشاب المدلل فنشا يحب السيارات و الصيد و المغامرة..و لم يتخلى عن هوايته طوال حياته و حتى استشهاده..
و في عام 1965 كان صخر بسيسو "محافظ خان يونس و نائب سر المجلس الثوري لحركة " فتح " حاليا", يحمل بعض نشرات العاصفة, في مهمة تنظيمه لحركة " فتح ", و توجه إلى والد "عاطف " في غزة و سلمه النشرات, إشارة إلى أن " المبعوث أمين ", و فهم والد " عاطف " الرسالة, فطلب منه صخر دعما ماليا لحركة" فتح ", فأعطاه في حينها مبلغ ألف جنيه ..
و عاد صخر بالمبلغ إلى أحد رموز حركة " فتح " حيث سلم المبلغ مجددا إلى " أبو صبري ".
في ذلك الوقت لم يكن " عاطف بسيسو" يعلم أن صخر عضو بتنظيم حركة "فتح ",
هذه الحادثة كانت منعطفا في حياة عاطف بسيسو, رغم انه يعلم بها في حينه, و لكنه وجد نشرات حركة "فتح" في مكتب والده, فاطلع عليها و اهتم بها و اصبح يتابع أخبار حركة " فتح " و يتمنى الانضمام إليها فقد وجد ضالته..
و في عام 1967 كان " عاطف بسيسو " يدرس الحقوق في جامعة بيروت العربية,و كان لأسرته منزل في القاهرة في شارع عبد العزيز فهمي, و هناك عرف بانتماء " صخر بسيسو " لحركة " فتح ", بعد أن غادر القاهرة إلى دمشق للتدريب العسكري في تشرين الثاني 1967, و بعد عودة" صخر " إلى لقاهرة, تحدث عاطف عن رغبته بالمشاركة و التدريب في حركة " فتح " و قال لصخر انه قرا النشرات التي كانت تصل إلى والده في مدينة غزة.
وافق "صخر بسيسو " على انضمامه لحركة" فتح" و رشحه أيضا عام 1968 للانضمام لجهاز " الرصد" , و كان "عاطف بسيسو" من أوائل الذين اعتقلوا في لبنان عام 1968.
اغتيال تحت الأضواء الكاشفة
بعد منتصف الليل بقليل عاد " عاطف بسيسو" إلى الفندق، و كان جالسا بجانب " سهيل راشد" الذي كان يقود السيارة و في المقعد الخلفي كانت تجلس " فاطمة بيضون"، توقفت السيارة أمام بوابة الفندق الرئيسية، و نزل " عاطف بسيسو" من السيارة، و انحنى محاولا ثني المقعد حتى تنزل " فاطمة بيضون " لتركب في المقعد الأمامي بجانب " سهيل راشد"..
في تلك الأثناء كان رجلين بملامح أوروبية، شعرهما قصير، يرتديان ملابس رياضية، جالسين على درج مؤدي إلى " نايت كلوب"..
كان " عاطف بسيسو" منحنيا فتقدم الرجلان، و أحدهما يحمل حقيبة على ظهره، و لم يشاهدا وجه عاطف بسيسو فتقدم أحدهما من الخلف، و أمسك بشعره و دفعه بقوة إلى مقدمة السيارة، ووقف الآخر يشهر مسدسا على فاطمة وسهيل، عندما حاولت فاطمة بيضون الصراخ..
وفورا أخرج القاتل مسدسا مزود بكاتم صوت، و كان المسدس مربوط بكيس بلاستيكي، و أطلق ثلاث رصاصات على رأس "عاطف بسيسو" و من مسافة قريبة جدا، ووقعت الرصاصات الفارغة في الكيس..
و بعد أن أنهى القاتل مهمته ألصق على سترة " عاطف بسيسو" جهاز إرسال لا سلكي و تصادف مرور سيدة فرنسية عجوز فصرخت، فانسحب الرجلان و هما يوجهان مسدساتهما إلى المارة لإسكاتهم..
هرب القاتلان خلف الفندق إلى شبه جسر كممر يؤدي إلى الشارع حيث كان في انتظارهما سيارة حملتهما بعيدا..
أسرعت فاطمة بيضون إلى داخل الفندق و اتصلت بممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس إبراهيم الصوص، كما اتصلت بمسؤول فلسطيني آخر و أبلغتها بالحادث، و أرسل الخبر فورا إلى "أبو عمار" حيث كان في الأردن يتلقى العلاج بسبب حادث سقوط الطائرة، و كان رده فورا: المخابرات الإسرائيلية قتلت عاطف".. و كان تعليق " أبو عمار" نتيجة للمعلومات و التحذيرات التي وصلت لمنظمة التحرير الفلسطينية و تداولتها أجهزة الأمن الفلسطينية، فكانت الجهة التي تقف خلف الحادث معروفة..
لم يكن " إبراهيم الصوص" على علم بزيارة "عاطف بسيسو" لباريس و لم يقم بإبلاغ الصوص أيضا عن موعده مع المسؤولين في المخابرات الفرنسية أو بشأن الزيارة، بينما كان " أبو إياد" يحرص باستمرار على التنسيق مع "إبراهيم الصوص" بشأن أي زيارة كان يقوم بها لفرنسا، وكان اغتيال "عاطف بسيسو" الضربة القوية الثانية التي تلقاها جهاز الأمن الموحد بعد اغتيال " أبو إياد"..
أبو نضال
صدر أول بيان حول اغتيال " عاطف بسيسو" أذاعته فورا إذاعة إسرائيل و تناقلته بعض الإذاعات العربية مثل " مونت كار لو" ادعت فيه إذاعة إسرائيل أنه صادر عن جماعة " أبو نضال" و لكن قراءة البيان تؤكد أنه بيان مدسوس مزور يختلف كليا عن البيانات التي يصدرها تنظيم أبو نضال.
و بعد صدور هذا البيان، عقد " وليد خالد" الناطق الرسمي لتنظيم " أبو نضال " مؤتمرا صحفيا، نفى فيه تماما أي علاقة لتنظيم " فتح" المجلس الثوري " بعملية اغتيال " عاطف بسيسو"..
حركة كاخ
ثم ظهر عدد من قيادات حركة " كاخ" الإسرائيلية المتطرفة يشربون نخب اغتيال " عاطف بسيسو" بعد أن أعلنت حركة " كاخ" مسؤوليتها عن اغتياله..
و بعد تسعين دقيقة أعلنت منظمة إسرائيلية متطرفة أخرى مسؤوليتها عن اغتيال " عاطف بسيسو"، أطلقت على نفسها تسمية " أرواح كاهانا" و هي منظمة منبثقة عن حركة " كاخ" و قد قتل زعيمها " كاهانا " في الولايات المتحدة الأمريكية عام1990..
فرنسا
قام السفير الفرنسي في تونس بالتوجه إلى أسرة الشهيد "عاطف بسيسو" لتقديم كتاب تعزية من وزير الخارجية الفرنسي "رولان دوما" باسم الحكومة الفرنسية لأسرة الشهيد و منظمة التحرير الفلسطينية، فقالت له زوجة "عاطف بسيسو" التي تجيد اللغة الفرنسية: "إننا نطالبكم باسم عائلة بسيسو و باسم الشعب الفلسطيني إن تسارع الحكومة الفرنسية بالقبض على القتلة و تقديمهم للمحاكمة، و الكشف عن هويتهم للعالم أجمع حتى يعرف من هم الإرهابيون الحقيقيون في العالم"..
رئيس مركز الدراسات الفرنسية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "جون ماري دولا جورس "أكد " على توجيه الاتهام لإسرائيل بتدبير اغتيال "عاطف بسيسو" و تحدث عن أهمية "عاطف" و مغزى اغتياله و أشار إلى أنه من الكوادر المؤهلة للقيادة و خاصة بأن أبو عمار اصبح وحيدا بعد اغتيال كثير من القيادات الفلسطينية التاريخية، و أضاف أن العملية تنطوي على رهان للقضاء على القضية الفلسطينية و لكن وقت الرهان للقضاء على القضية الفلسطينية قد فات لأن روح المقاومة تغلغلت تماما في دماء الشعب الفلسطيني بفضل عطاء مناضلين شرفاء أمثال " عاطف بسيسو"..
جامعة الدول العربية
اتهمت جامعة الدول العربية إسرائيل بارتكاب جريمة اغتيال "عاطف بسيسو" و قالت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان رسمي أصدرته "إن استغلال إسرائيل للحملة الانتخابية الدائرة في داخلها، باتباع مزيد من سياسة العنف و القتل و الملاحقة لن تحقق السلام، لأن تحقيق السلام يتم من خلال المصالحة التاريخية و الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني"..
و حذرت جامعة الدول العربية في بيانها من عواقب استمرار هذه الأعمال الإرهابية و طالبت بالعمل على تحقيق المناخ الملائم لاستمرار عملية التفاوض من أجل السلام العادل والشامل في منظمة الشرق الأوسط، و الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني و كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد وجهت مذكرة رسمية قبل أسبوع من اغتيال " عاطف بسيسو" و على ضوء المعلومات التي تداولتها أجهزة الأمن الفلسطينية، حذرت في تلك المذكرة من نوايا المخابرات الإسرائيلية المقررة في 22 حزيران 1992..
البرلمان الأوروبي
أدان البرلمان الأوروبي جريمة اغتيال " عاطف بسيسو" و أصدر البرلمان الأوروبي بيانا رسميا من مدينة " ستراسبورغ" الفرنسية، استنكر فيه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد لبنان و اغتيال المسؤول الفلسطيني " عاطف بسيسو" في باريس..
الجنازة
و في 10 حزيران 1992 شيعت القيادة الفلسطينية و عدد من كبار المسؤولين التونسيين و المئات من الجماهير الشعبية جنازة الشهيد " عاطف بسيسو" إلى مثواه الأخير في مقبرة " شهداء فلسطين" في منطقة حمام الشط بضواحي العاصمة التونسية.
و كان جثمان الشهيد " عاطف بسيسو" قد نقل بعد صلاة الجنازة إلى النصب التذكاري الذي يخلد ذكرى الشهداء الفلسطينيين و التونسيين الذين سقطوا ضحايا للغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط في أكتوبر 1985..
و قد رافق موكب الجنازة عدد من كبار المسؤولين الفلسطينيين في اللجنة التنفيذية لمنظمة لتحرير الفلسطينية و اللجنة المركزية لحركة " فتح" و المجلس الثوري مثل الرئيس : محمود عباس " أبو مازن"،و حكم بلعاوي، عبد الله الحوراني، أحمد قريع "أبو العلاء"، أحمد عبد الرحمن، محمد غنيم "أبو ماهر" ، إلى جانب أفراد من عائلة الشهيد " عاطف بسيسو" و كبار المسؤولين التونسيين و الشخصيات الوطنية التونسية ..
و قد أقيم ضريح الشهيد "عاطف بسيسو" إلى جانب أضرحة الشهداء " صلاح خلف" أبو إياد"، هايل عبد الحميد " أبو الهول" ، فخري العمري " أبو محمد"..
و أكد أبو ماهر غنيم في كلمة التأبين على أن هذه الجريمة الإسرائيلية لن تجعلنا نتراجع عن خيار السلام..
الأرض المحتلة
في بيت عائلة " عاطف بسيسو" أقيم صوان العزاء و جاء المئات من سكان قطاع غزة لتعزية العائلة.. و أعلنت التنظيمات الفلسطينية المختلفة في الأراضي المحتلة أن "عاطف بسيسو" شهيد الانتفاضة و قال "رفيق بسيسو" عم الشهيد : "سمعنا مفاجأة مفجعة عن موت ابننا، كان بطلا و خلوقا، لم يكن له أعداء و يبدو أن جهات إسرائيلية لها يد في هذه الفعلة"..
و قال عماد بسيسو أحد أقارب عاطف " الموساد قتل عاطف بسيسو، وكان الموساد يهدف لقتله و فعل ذلك"..
وفور الإعلان عن اغتيال "عاطف بسيسو" خرج سكان غزة للشوارع، فاندلعت المظاهرات العنيفة خاصة في منطقة الرمال، مقر إقامة عائلة " عاطف بسيسو" و قد بدأت المظاهرات بعد أن أعلن أن "عاطف بسيسو" اغتيل في باريس..
و قام شباب الانتفاضة برشق الدوريات الإسرائيلية بالحجارة و على أسطح المنازل رفعت الأعلام الفلسطينية، و أعلنت ثلاثة أيام حداد في قطاع غزة ..
و في الماضي رفضت السلطات الإسرائيلية دفن جثمان الشاعر " معين بسيسو ابن عم " عاطف بسيسو" " في غزة، و دفن الشاعر الفلسطيني في القاهرة، كما دفن عاطف بتونس ..
و قد امتدت المواجهات بين شباب الانتفاضة و الجيش الإسرائيلي في مختلف مناطق قطاع غزة، و قد أصيب العشرات من شبان الانتفاضة بجراح في تلك المواجهات في غزة، مخيم الشاطئ، و خانيونس، و امتدت المواجهات أيضا إلى طولكرم و الخليل و بيت لحم و باقي المدن الفلسطينية..
و قام الجيش الإسرائيلي باقتحام منزل عائلة "عاطف بسيسو" في غزة، بحي الرمال و صادروا صور الشهيد و الأعلام الفلسطينية..
البطل القومي
بعد أن تماثل الرئيس " أبو عمار " للشفاء إثر العملية الجراحية في إحدى المستشفيات الأردنية، أقيم مهرجان تأبيني بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوما على استشهاد "عاطف بسيسو" في 17 تموز 1992 بتونس"، وألقي الرئيس أبو عمار كلمة قال فيها "إن استشهاد عاطف بسيسو هو جزء من ثمن قرار الشعب الفلسطيني بأن يعيش حرا كريما مستقلا، مهما عظمت التضحيات و مهما طال الزمن"..
و حيا " أبو عمار" روح الشهيد " عاطف بسيسو" و ثمن تضحيته أثناء قيامه بمهمة هامة في سلسلة مسؤولياته التي تحملها بأمانة و إخلاص ، ووصف "عاطف بسيسو" بـ" البطل القومي".. وجاء في كلمة مؤثرة ألقاها أمين الهندي، عضو المجلس الثوري لحركة " فتح" و نائب رءيس جهاز الأمن الموحد، قال " أنت حي في ضمير الأحبة، و أنت السيف البتار الذي سيبقى أبدا و دوما ، و أنت معهد للعلاقات الدولية، سنبنيه و فيه سيتعلم أبناء فلسطين السير في الأنوار و السباحة ضد التيار، و أنت ركن في أكاديمية "صلاح خلف ـ أبو إياد" للدراسات الأمنية..
0 التعليقات:
إرسال تعليق