صامد للأنباء -
لم تكن جريمة الارهابيين الدواعش في مدينة سوروك
التركية المبرر الرئيس لتغيير اتجاه سياسة القيادة التركية مئة وثمانين
درجة مما يجري في سوريا وحسب، بل المعطيات المستجدة القائمة على الأرض,
فتركيا - عضو في حلف الناتو- كما نعتقد قد نضجت لديها المعلومات عن اقتراب
موعد حدث مهم في سوريا ـ لا يقل عن مستوى انهيار بقايا أركان الدولة في هذا
القطر العربي الذي يصارع للبقاء كدولة رغم تحوله الى ساحة صراع دولية,
لذلك فإن تحركها السريع لم يكن لردع حزب العمال الكرستاني, ومنعه من نقل
شرارة الصراعات العرقية في العراق وسوريا الى الأراضي التركية وحسب, بل
لمنع تبلور ملامح جغرافية دولة كردية, حال فقدان قيادة الدولة المركزية في
دمشق السيطرة نهائيا على مناطق شرق وشمال سوريا، فالحدود الشمالية لسوريا
حيث تسيطر داعش واحزاب كردية معارضة للنظام في دمشق واخرى لتركيا هي الحدود
الجنوبية البرية لتركيا.
الدافع
الثاني لهذا التحول كما نقرأ من اتجاهات الاحداث ووقائعها على الأرض, حرص
تركي على الفوز بنسب الابوة لأي تغيير جذري قادم في سوريا, اي تمهيد أذهان
السوريين والعرب بان (انتصارا نوعيا للمعارضة السورية ) وتحديدا تلك التي
ترفع شعارات (اسلاموية) ما كان ليكون لها ذلك لولا تركيا, ما يعني استباق
الأحداث للتسجيل في الذاكرة التاريخية للمنطقة انها الأب الشرعي لانتصار
المعارضة السورية المسلحة, خاصة بعد طغيان المسميات ( الاسلامية ) على معظم
جماعاتها وتنظيماتها وفصائلها ! فتركيا التي تطرح ذاتها حامية حمى السنّة
في المشرق العربي, لا يمكنها التفريط بفرصة تاريخية, اضعفت وانهكت فيها
مفاهيم الانتماء الوطني لم نقل اغتيلت, مقابل افساح المجال لتغول المفاهيم
الطائفية والعرقية والمذهبية, كما حدث في السنوات الماضية، حيث غضت تركيا
الطرف عن داعش والنصرة, وغيرهما من المسميات التي تسبح في تيار (الاسلام
السياسي) هذا ان لم تسهل لهما اسباب القوة والمنعة والمدد الوجستي.
الدافع
الثالث لتركيا هو نيل حصتها مسبقا من سوريا المقسمة المفككة.. ولكن حسب
تقديراتها واحتياجاتها الأمنية, وليس حسب مخطط تقسيم سوريا على اسس مذهبية
وطائفية البديل, والذي يوحي خطاب الرئيس السوري بشار الأسد بحتميته كواقع,
قد يشهده السوريون قريبا عندما قال :" لقد انسحبت قواتنا من مواقع لتحمي
اخرى " معللا ذلك لعدم وجود قوات كافية, والأخطر قوله:" ان سوريا لمن يدافع
عنها مهما كانت جنسيته " ما يعني الاقرار بحصة ايران في سوريا, وهذا امر
يسرع من وتيرة المسعى التركي من السيطرة المسبقة على حصتها من القطر العربي
السوري, تحت عناوين المناطق الآمنة.
الدافع
الرابع لتركيا, هو تخوف الدولة من تحول اللاجئين السوريين الى مشكلة,
فهؤلاء – تصل اعدادهم الى حوالي مليوني سوري – سيصبحون مشكلة ذات جذور
عرقية في يوم ما, اذا ما بقوا في تركيا, ولم يعودوا الى وطنهم, فتضاف الى
مشكلة الكرد في تركيا مشكلة السوريين, رغم اختلاف جذور المشكلتين, لذا
يمكننا استخلاص معنى قول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأن المنطقة الآمنة
ستعجل بعودة 1.7 مليون سوري الى بلدهم, ما يعني استشعارا تركيا بهذه
المشكلة, خاصة مع عدم ضمان تغلغل عناصر وخلايا الجماعات والتنظيمات
الارهابية العاملة تحت مسميات اسلاموية الى تركيا, وتهديد مصالح تركيا وحلف
الناتو بوصولها ان لم تستوطن في اطراف قواعد الحلف في تركيا !.
كان
متوقعا انتقام داعش من تركيا بعد هزيمة الارهابيين الداعشيين في مدينة عين
العرب (كوباني) ذات الأغلبية الكردية, حيث قدمت تركيا تسهيلات للكرد
ليقاتلوا مع فصائل الجيش السوري الحر ويلحقوا الهزيمة بداعش بالمدينة بدعم
جوي من التحالف الدولي, لكن مالم يكن متوقعا من القيادة التركية كما نعتقد
هو اعتماد الادارة الأميركية على الكرد في العراق لمحاربة داعش، كقوة
نظامية شجاعة وذات خبرة –حسب تصريحات اشتون – وزير الدفاع الاميركي -
مايعني بالنسبة للقيادة التركية انعاشا لآمال الكرد باعتراف دولي وتحديدا
من الكبار بدولة لهم, لا يُستبعد انضمام كرد تركيا اليها, او على الأقل
تصعيد المشكلة الكردية في تركيا التي كانت قد شهدت سنوات من الاتفاق
السلمي...لذا كان متوقعا الهجوم الوقائي التركي، وانفتاح القواعد الجوية
التركية أمام طائرات "الناتو" لضرب داعش في سوريا, واشراك "الناتو" في
الحرب على الارهاب الذي لم تستثن منه تركيا حزب العمال الكردستاني,
ووافقتها الادارة الأميركية على ذلك, فتضرب عصفورين بحجر, ابعاد شبح جرائم
داعش عن تركيا, واكتساب شرعية دولية في حربها لاجهاض دولة الكرد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق