صامد للأنباء -
بقلم: لواء ركن/ عرابي كلوب
في مثل هذه الأيام تمر علينا ذكرى مرور عامين على رحيل
القائد / أبو علي شاهين المناضل والسياسي والمثقف والمنظر الفلسطيني ،
وأحد أبرز رموز حركة النضال في السجون الإسرائيلية والذي وهب جل حياته وسخر
كل طاقاته وقدراته وإمكانياته كلها من أجل قضية شعبه العادلة وقضايا أمته
القومية ، حيث أن الحياة عند القائد أبو علي شاهين لا تقاس بعمر السنين
التي عاشها وناضل فيها ، وإنما تقاس بالقيم العظيمة والمعاني النبيلة التي
بذلها من أجل أن يزرع في حدائق هذا الوطن معاني الإنسانية والفخر .
عبد العزيز علي شاهين الذي ولد في قرية بشيت قضاء الرملة في
يوم ماطر من عام 1941م عرف طريق الشتات والتشرد عن الوطن مع من عرفه من
أهله وشعبه إثر النكبة التي حلت به عام 1948م ، حيث حط به الرحال لاجئاً في
قطاع غزة ومن ثم انتقل إلى مخيم رفح للاجئين مع أسرته.
استشهد والده عام 1948م بعد أن تم طرد الفلسطينيين من ديارهم ،
تلقى عبد العزيز شاهين تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدراس الوكالة في
رفح والتحق في المرحلة الثانية في المدارس الحكومية بمدينة خانيونس حيث
أنهى دراسته الثانوية عام 1960م ، عرف عبد العزيز شاهين الفقر والجوع
واليتم مبكراً .
سافر في بداية الستينات للعمل في كل من قطر والسعودية وكانت
تربطه علاقة حميمة مع الشهيد / ماجد أبو شرار الذي حضر إلى السعودية صيف
عام 1963م وعمل في المنطقة الشرقية منها .
يقول أبو علي شاهين بدأت صفحة جديدة في حياتي من البحث
والنهوض والمساءلات إلى أن اهتديت إلى أول الخيط الذي سيقودني فيما بعد إلى
حركة فتح ويتطابق مع توجهاتي ورؤيتي في تحرير فلسطين المحتلة عبر الجسر
الوحيد الباقي لنا وهو جسر الكفاح المسلح والعنف الثوري بعيداً عن جدل
الحزبية المتصارعة في فراغ الكلام حيث كان انتمائي إلى حركة فتح في ستينيات
القرن الماضي ، وتفرغت للعمل العسكري في حركة فتح بعد هزيمة حزيران عام
1967م حيث التحقت للتدريب بمعسكر الهامة .
بعد الهزيمة المرة التي أصابت الأمة العربية عام 1967م توجه
أبو علي شاهين إلى داخل الأرض المحتلة ، وتحديداً مدينة نابلس حيث واصل
عمله بإعادة تنظيم الخلايا الفدائية فيها ، قابل هناك الأخ / أبو عمار
والذي كان متواجداً في المدينة وكان يلقب في ذلك الوقت باسم الدكتور / أبو
محمد والذي كان يقود ويشرف على العمليات الفدائية ، تلقى أبو علي شاهين
تعليمات من أبو محمد بالتوجه إلى الخليل حيث شكل هناك القواعد المقاتلة
الأولى وعمل على التنسيق مع مناضلي قطاع غزة .
طاف أبو علي شاهين مدن الأرض المحتلة وقراها في تجربة نضالية
نادرة إلى أن تم اعتقاله يوم 25/9/1967م حيث عثر معه على مفجر ( صاعق ) .
كان أبو علي شاهين من الرعيل الأول لحركة فتح الذين فجروا
ثورة المستحيل ، ثورة الشعب الفلسطيني المعاصر ، وخاض تجربة الكفاح المسلح
داخل الأرض المحتلة وعمل دون كلل أو ملل لبناء قواعد الثورة في الأرض
المحتلة وتجنيد الثوار في صفوف حركة فتح عام 1967م إلى أن تم اعتقاله .
بقي أبو علي شاهين في السجون الإسرائيلية من تاريخ اعتقاله
وحتى تاريخ الإفراج عنه 23/9/1982م حيث أمضى خمسة عشر عاماً خلف القضبان ،
قضى منها اثنا عشر عاماً في العزل الانفرادي .
كان أبو علي شاهين معتمد الحركة الأسيرة لحركة فتح في السجون ،
أشرف أبو علي خلالها على إقامة حركة الشبيبة الفتحاوية بالوطن نهاية العام
1982م .
منذ اعتقاله بتاريخ 25/9/1967م وحتى 22/2/1968م طيلة هذه
الفترة استمر التحقيق مع أبو علي وقد مر بكل مراكز التحقيق ، ذاق أثناء هذه
الرحلة الاعتقالية جميع أصناف التعذيب التي برعت بها العقلية المخابراتية
الصهيونية بكل عنصريتها وزنازينها التي لا تحتاج إلى دليل .
بتاريخ 17/5/1969م صدر حكم ضده بالسجن الفعلي لمدة خمسة عشر
عاماً بتهمة عضويته في حركة فتح وحيازته أسلحة حيث تم الإفراج عنه بتاريخ
23/9/1982م .
لقد خاض أبو علي شاهين تجربة الاعتقال التي كانت أشد ضراوة
وأكثر شراسة ، وكانت تجربة صراع الإرادات أثناء وجود أبو علي شاهين في
السجن حيث تمكن من أن يبلور لنفسه مكاناً ونفوذاً كبيرين كأحد قادة فتح
والفدائيين وعلى امتداد فترة سجنه وبالذات في السنوات الستة الأخيرة ، حيث
برز نفوذه وتأثيره على السجناء الفلسطينيين ، فإيعازاته وتوجهاته أصبحت
تحتل مكانة هامة في حياة السجناء .
أثناء وجود أبو علي في السجن قاد أشرس إضراب عن الطعام عام 1970م وذلك في سجن عسقلان .
بعد الإفراج عنه وضع أبو علي شاهين تحت الإقامة الجبرية
بمنزله في مخيم تل السلطان/برفح وخلال الفترة من ديسمبر عام 1982م وحتى
مايو 1983م ، تم نفيه بعد ذلك إلى منطقة الدهينية التي تقع أقصى شرق جنوب
مدينة رفح الفلسطينية منفرداً من شهر مايو 1983م وحتى شهر فبراير 1985م ،
حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية بطرده من البلاد وذلك بتهمة خطورته
على الأمن الإسرائيلي ، وفعلاً تم إبعاده إلى جنوب لبنان عام 1985م وبعدها
انتقل إلى الأردن .
عمل أبو علي شاهين مسؤولاً في مفوضية القطاع الغربي ( الأرض
المحتلة ) من شهر مارس 1985م وحتى شهر أبريل 1986م ، تم إبعاده من الأردن
إلى العراق حيث انتقل بعدها إلى الساحة اللبنانية عين بعد ذلك أميناً لسر
القيادة في الساحة اللبنانية من نوفمبر 1986م وحتى ديسمبر 1987م ، بعدها
توجه إلى تونس مقر القيادة الفلسطينية حيث عمل في القطاع الغربي من شهر
كانون الثاني 1988م وحتى شهر أيلول 1993م مسؤولاً في جهاز الأرض المحتلة .
بعد توقيع اتفاقية أوسلو وعودة قوات م . ت . ف والقيادة
الفلسطينية إلى أرض الوطن ، رفضت السلطات الإسرائيلية عودته إلى قطاع غزة
أسوة بالآخرين الذين عادوا ، إلا أنها في نهاية المطاف وافقت على عودته إلى
غزة بتاريخ 11/10/1995م .
انتخب أبو علي شاهين عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح أثناء انعقاد المؤتمر الخامس للحركة في مدينة تونس عام 1989م .
بعد عودته إلى أرض الوطن وفي بداية عام 1996م انتخب أبو علي
شاهين عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة رفح وحتى يناير 2006م .
أبو علي شاهين كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني من عام
1996م وحتى يناير 2006م ، كذلك عين وزيراً للتموين من الفترة 1996م وحتى
مايو 2003م .
انتقل أبو علي شاهين إلى رحمة الله تعالى بعد معاناة مع المرض
لفترة طويلة عن عمر يناهز الثلاث والسبعين عاماً وذلك بعد دخوله في غيبوبة
بمستشفى الشفاء بغزة ، حيث تم إعادته من المستشفيات المصرية التي سافر
إليها قبل وفاته بأسبوعين حيث ساءت حالته الصحية وعدم استجابته للعلاج ،
فطلب أن يعود إلى غزة ويدفن فيها عند وفاته ، وصل إلى مستشفى الشفاء حيث
مكث سويعات محدودة أعلن بعدها عن وفاته يوم الثلاثاء الموافق 28 /5 / 2013م
وتم دفنه في مدينة رفح .
أبو علي شاهين كان مدرسة متكاملة في النضال وأنموذجاً لا
يتكرر كثيراً ، أبو علي شاهين أصبح أمثولة ورمزاً شعبياً كبيراً من رموز
الشعب الفلسطيني المقاوم في الأرض المحتلة .
أبو علي شاهين صاحب المواقف الوطنية كما عرفناه فقد كان ثورة
في رجل وسيبقى تاريخنا الفلسطيني يعتز ويفتخر بالراحل الكبير / أبو علي
شاهين وسيحفظه للأجيال القادمة .
كان الراحل / أبو علي شاهين معبراً عن آمال الشعب الفلسطيني
أفضل تعبير ، عاش مناضلاً ، مقاتلاً في سبيل وطنه وقضيته العادلة ، كان
مناضلاً صلباً وعنيداً ومحاوراً قديراً .
أبو علي شاهين أيها الراحل عنا لقد كنت عظيماً في حياتك
ومدرسة للجميع ، وعظيماً في مماتك فأنت في وجدان كل من عرفك وأحبك ، فقد
حملت هموم شعبك الفلسطيني وكنت خير سفير مدافعاً قوياً عنها .
لقد كنت يا أبا علي دائماً رجلاً طليعياً وفدائياً في كل
المراحل منذ البدايات وحتى رحيلك عن هذه الدنيا قائد صلب ، قوي الشكيمة ،
صاحب مواقف ، لا يجامل ولا يساوم ولا يهادن ، لكنه في نفس الوقت كان
إنساناً بكل معنى الكلمة ، حيث تجد فيه من الرقة والحنان والدفء والطيبة ما
لا يوصف من تجليات الحرص الأبوي بكل ما فيه من أحاسيس غامرة وضحكته
الجميلة التي لا تفارق وجهه أبداً .
الكتابة عن الراحل المناضل والسياسي " أبو علي شاهين " تحتاج
إلى مجلدات لكتابة سيرته العطرة وتاريخه المشرف ، فمن الصعب أن تكتب عن رجل
أسير سابق أمضى خمسة عشر عاماً ذاق خلالها مرارة الحرمان والتعذيب وضحى
بزهرة شبابه خلف القضبان ، وأصبح رمزاً من رموز الحركة الأسيرة ومؤسس
الشبيبة الفتحاوية .
لك الرحمة يا أبا علي شاهين ، وأسكنك الله فسيح جنانه مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً
0 التعليقات:
إرسال تعليق