صامد للأنباء -
سامي كليب
باريس | في سابقة، منذ وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004 ، نشر الكاتب والإعلامي الفرنسي ايمانويل فو التقرير الطبي الكامل حول وفاة عرفات. واذا كان التقرير الرسمي يتجنب فرضية القتل، فان الكاتب الذي بحث طويلا في هذه القضية، يؤكد ان الوفاة لم تكن عرضية ولا طبيعية، وانما نتيجة «موت متعمَّد»، ويكاد يلصق تهمة تنفيذ مهمة القتل الاسرائيلية بالرئيس السابق لجهاز الامن الوقائي الفلسطيني محمد دحلان.
الكتاب الصادر قبل ايام يحمل عنوان: «قضية عرفات، الموت الغريب للزعيم الفلسطيني»، ويلخص نتيجة المقابلات التي اجراها الصحافي الفرنسي مع أبرز الاطباء الذين أشرفوا على التقرير الطبي، وهذه أبرز أقوالهم:
ــــ البروفسور فرانسوا بريكير، المشهور عالمياً منذ توليه رئاسة قسم الامراض المُعدية والاستوائية في مستشفى «بيتييه سالبيتريير»، يقول: «لم يكن ثمة شيء مُعْدٍ في حالة عرفات، واحتمال الموت الطبيعي يبدو لي سطحياً. الأرجح أن في الأمر سُماً خارجياً، وأنا ارى انه سم نباتي او غذائي، اي سم جرى ابتلاعه فأحدث اضطرابات معوية وتسمماً غذائياً».
ــــ البروفسور مارسيل فرنسيسكان، الرئيس السابق لقسم الأمراض الرئوية في مستشفى «بيشا»، يقول: «أنا مقتنع تماما بقتل عرفات منذ اللحظات الاولى». ويلفت الى ان العوارض الرئوية واضطرابات بعض اعضاء جسد الزعيم الفلسطيني في أيامه الاخيرة ليست مرتبطة بعمره السبعيني، ولا بالارهاق «بل بشيء آخر». ويشير الى ان اسرائيل، التي وقّعت، ولكن لم توافق على الشرعة الدولية لمنع الاسلحة الكيماوية، أسست قرب تل ابيب معهداً محاطاً بسرية كبيرة اسمه «نس زيونا» متخصص في البحث عن السموم، وهو المعهد نفسه الذي أرسل للملك حسين العلاج المضاد للسم لانقاذ حياة خالد مشعل، بعدما سممته اسرائيل وكادت تقتله لولا تهديد الملك عام 1997.
ــــ البروفسور زاهر عمورة رئيس قسم الطب الداخلي في المستشفى نفسه يقول: «هناك الكثير من تقنيات التسميم التي لا تزال مجهولة... لكن (بسبب) الطبيعة العسكرية لمستشفى بيرسي العسكري الذي عولج فيه عرفات (فإن) كل كلمة محسوبة».
ــــ الدكتور أشرف الكردي طبيب عرفات الذي سارع للكشف عليه في رام الله قبل نقله الى فرنسا، يؤكد ان «آلام الرئتين والمعدة، وغياب الشهية، وتناقص الكريات البيضاء والفقدان السريع للوزن، والبقع الحمراء على الوجه، والجلد الاصفر تؤكد لأي طبيب ان في الامر عملية تسميم».
واستناداً الى مقابلاته مع هؤلاء الاطباء وغيرهم، يصل الكاتب الى نتيجة مفادها ان «ياسر عرفات لم يمت ميتة طبيعية ولا بسبب العمر ووهن الجسد أو بسبب ما تعرض له من معاناة في سنوات نضاله الطويل، وانما موته المفاجئ وهو في خريفه السبعين على سرير مستشفى كان مُراداً ومتعمداً ومطلوباً». ويعود المؤلف الفرنسي الى النتائج الثلاث المتناقضة التي صدرت عن لجان الخبراء في كل من سويسرا وفرنسا وروسيا، فالعواصم الثلاث «متفقة على القول ان الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني في الايام الثلاثين الاخيرة من حياته ليست لرجل مات طبيعياً، او بسبب العمر، ولذلك فان الموت المتعمد هو الوحيد الواجب أخذه بعين الاعتبار».
ولكن ما علاقة دحلان بالامر؟
يفرد المؤلف قسماً كاملاً من كتابه للحديث عن علاقة دحلان بالاسرائيليين والاميركيين ودول الخليج، ويستعيد جملة من الرئيس الاميركي السابق جورج دبليو بوش يقول فيها عام 2004 «ان هذا هو رَجُلُنا». ويؤكد الكاتب ان دحلان حين زار البيت الابيض غادره مُحمَّلاً بشيك مصرفي ووعود اميركية بدعم عمليته الامنية في غزة.
والاهم ان المؤلف ينشر نص الرسالة التي يقال ان دحلان وجهها الى وزير الدفاع الاسرائيلي في عهد آرييل شارون في 13 تموز 2003 ويقول فيها « كونوا على ثقة بأن ايام ياسر عرفات باتت معدودة، ولكن اسمحوا لي بان انهي الامر على طريقتي لا طريقتكم». ويستنتج ان «اغتيال عرفات قد يكون نتيجة مسار معقد اجتمع فيه المخطط الاسرائيلي الذي سلم المادة القاتلة، ومسؤول فلسطيني كان قادرا على الدخول الى المقاطعة (حيث حوصر عرفات في آخر ايامه) ونفذ عملية قتل الزعيم التاريخي الفلسطيني».
ثمة أمر آخر مثير للانتباه يتعلق بدحلان. ففي لقاء المؤلف مع توفيق الطيراوي، رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية، قال الاخير: «وفق معلوماتنا فإن الرئيس عرفات قد قُتل». يسأله المؤلف: « طالما انكم تأكدتم من مقتل عرفات ومن ان اسرائيل هي المسؤولة فلماذا تواصلون التحقيق؟»، فيجيب الطيراوي: «لأننا لم نجد بعد القاتل، فاسرائيل هي التي اعطت الاوامر، ولكنْ هناك شخص نفذ ولا يزال طليقاً، وهو الذي نبحث عنه». وعندما يسأله الكاتب: «وكيف تنظرون الى اتهامات محمود عباس؟»، يسارع الطيراوي الى القول: «عباس لم يتهم دحلان». ويستغرب الكاتب ان يجيب هكذا برغم انه لم يسأله عن دحلان.
يشار الى ان لجنة التحقيق الفلسطينية لم تتألف الا بعد 6 سنوات من وفاة عرفات، وهذا في حدّ ذاته واحد من اسئلة كثيرة مشككة يطرحها المؤلف، وبينها : لماذا تاخرت اللجنة؟ لماذا لم يحصل تشريح لجثة عرفات؟ لماذا استبعد الفرنسيون فورا احتمال التسميم المتعمد، واعلنوا ان سبب الوفاة غير محدد، ولماذا انتظرت سهى عرفات ارملة الزعيم الفلسطيني 7 سنوات قبل ان تلجأ الى فحص ثياب زوجها، التي كانت في شقة سائقها الباريسي؟ ولماذا تخاصمت مع ابن شقيق عرفات ( ناصر القدوة) عام 2012 لناحية اعادة نبش رفاته لفحصه، ولماذا لم ينشر تقرير الخبراء الفرنسيين؟ ولماذا اعيدت صياغة التقرير الروسي في وزارة الخارجية، ولماذا لم يستجب القضاة الفرنسيون لطلبات لجنة التحقيق الفلسطينية؟» وحده السؤال الاخير يجد جوابا فيه من الشكوك الكثيرة، ذلك ان القضاء الفرنسي يقول انه لا يمكن ان يستجيب لسلطة فلسطينية لم تصبح دولة ليعاملها بالمثل، وعليها ان تلجأ بالتالي الى لجنة الانابة القضائية الدولية، فلماذا لم تتقدم السلطة الفلسطينية حتى الان بطلب قضائي كهذا الى فرنسا؟
اسئلة كثيرة، توحي كأن الكاتب الفرنسي يريد القول إنه ما من احد يريد ان تكشف قضية عرفات لسبب مجهول. ويضيف: «ما عاد مقبولا اليوم ان رجالا ونساء يناضلون من اجل حقوقهم وسيادتهم واستقلالهم وديمقراطيتهم لا يعاملون كشعب راشد يجب حماية كرامته».
كتاب فعلا جرئ ، في بلد صار فيه مجرد الاشارة الى اسرائيل سببا لاتهام القائل بالعنصرية او «اللاسامية»، وكأن السامية محصورة باليهود.
سامي كليب
باريس | في سابقة، منذ وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004 ، نشر الكاتب والإعلامي الفرنسي ايمانويل فو التقرير الطبي الكامل حول وفاة عرفات. واذا كان التقرير الرسمي يتجنب فرضية القتل، فان الكاتب الذي بحث طويلا في هذه القضية، يؤكد ان الوفاة لم تكن عرضية ولا طبيعية، وانما نتيجة «موت متعمَّد»، ويكاد يلصق تهمة تنفيذ مهمة القتل الاسرائيلية بالرئيس السابق لجهاز الامن الوقائي الفلسطيني محمد دحلان.
الكتاب الصادر قبل ايام يحمل عنوان: «قضية عرفات، الموت الغريب للزعيم الفلسطيني»، ويلخص نتيجة المقابلات التي اجراها الصحافي الفرنسي مع أبرز الاطباء الذين أشرفوا على التقرير الطبي، وهذه أبرز أقوالهم:
ــــ البروفسور فرانسوا بريكير، المشهور عالمياً منذ توليه رئاسة قسم الامراض المُعدية والاستوائية في مستشفى «بيتييه سالبيتريير»، يقول: «لم يكن ثمة شيء مُعْدٍ في حالة عرفات، واحتمال الموت الطبيعي يبدو لي سطحياً. الأرجح أن في الأمر سُماً خارجياً، وأنا ارى انه سم نباتي او غذائي، اي سم جرى ابتلاعه فأحدث اضطرابات معوية وتسمماً غذائياً».
ــــ البروفسور مارسيل فرنسيسكان، الرئيس السابق لقسم الأمراض الرئوية في مستشفى «بيشا»، يقول: «أنا مقتنع تماما بقتل عرفات منذ اللحظات الاولى». ويلفت الى ان العوارض الرئوية واضطرابات بعض اعضاء جسد الزعيم الفلسطيني في أيامه الاخيرة ليست مرتبطة بعمره السبعيني، ولا بالارهاق «بل بشيء آخر». ويشير الى ان اسرائيل، التي وقّعت، ولكن لم توافق على الشرعة الدولية لمنع الاسلحة الكيماوية، أسست قرب تل ابيب معهداً محاطاً بسرية كبيرة اسمه «نس زيونا» متخصص في البحث عن السموم، وهو المعهد نفسه الذي أرسل للملك حسين العلاج المضاد للسم لانقاذ حياة خالد مشعل، بعدما سممته اسرائيل وكادت تقتله لولا تهديد الملك عام 1997.
ــــ البروفسور زاهر عمورة رئيس قسم الطب الداخلي في المستشفى نفسه يقول: «هناك الكثير من تقنيات التسميم التي لا تزال مجهولة... لكن (بسبب) الطبيعة العسكرية لمستشفى بيرسي العسكري الذي عولج فيه عرفات (فإن) كل كلمة محسوبة».
ــــ الدكتور أشرف الكردي طبيب عرفات الذي سارع للكشف عليه في رام الله قبل نقله الى فرنسا، يؤكد ان «آلام الرئتين والمعدة، وغياب الشهية، وتناقص الكريات البيضاء والفقدان السريع للوزن، والبقع الحمراء على الوجه، والجلد الاصفر تؤكد لأي طبيب ان في الامر عملية تسميم».
واستناداً الى مقابلاته مع هؤلاء الاطباء وغيرهم، يصل الكاتب الى نتيجة مفادها ان «ياسر عرفات لم يمت ميتة طبيعية ولا بسبب العمر ووهن الجسد أو بسبب ما تعرض له من معاناة في سنوات نضاله الطويل، وانما موته المفاجئ وهو في خريفه السبعين على سرير مستشفى كان مُراداً ومتعمداً ومطلوباً». ويعود المؤلف الفرنسي الى النتائج الثلاث المتناقضة التي صدرت عن لجان الخبراء في كل من سويسرا وفرنسا وروسيا، فالعواصم الثلاث «متفقة على القول ان الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني في الايام الثلاثين الاخيرة من حياته ليست لرجل مات طبيعياً، او بسبب العمر، ولذلك فان الموت المتعمد هو الوحيد الواجب أخذه بعين الاعتبار».
ولكن ما علاقة دحلان بالامر؟
يفرد المؤلف قسماً كاملاً من كتابه للحديث عن علاقة دحلان بالاسرائيليين والاميركيين ودول الخليج، ويستعيد جملة من الرئيس الاميركي السابق جورج دبليو بوش يقول فيها عام 2004 «ان هذا هو رَجُلُنا». ويؤكد الكاتب ان دحلان حين زار البيت الابيض غادره مُحمَّلاً بشيك مصرفي ووعود اميركية بدعم عمليته الامنية في غزة.
والاهم ان المؤلف ينشر نص الرسالة التي يقال ان دحلان وجهها الى وزير الدفاع الاسرائيلي في عهد آرييل شارون في 13 تموز 2003 ويقول فيها « كونوا على ثقة بأن ايام ياسر عرفات باتت معدودة، ولكن اسمحوا لي بان انهي الامر على طريقتي لا طريقتكم». ويستنتج ان «اغتيال عرفات قد يكون نتيجة مسار معقد اجتمع فيه المخطط الاسرائيلي الذي سلم المادة القاتلة، ومسؤول فلسطيني كان قادرا على الدخول الى المقاطعة (حيث حوصر عرفات في آخر ايامه) ونفذ عملية قتل الزعيم التاريخي الفلسطيني».
ثمة أمر آخر مثير للانتباه يتعلق بدحلان. ففي لقاء المؤلف مع توفيق الطيراوي، رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية، قال الاخير: «وفق معلوماتنا فإن الرئيس عرفات قد قُتل». يسأله المؤلف: « طالما انكم تأكدتم من مقتل عرفات ومن ان اسرائيل هي المسؤولة فلماذا تواصلون التحقيق؟»، فيجيب الطيراوي: «لأننا لم نجد بعد القاتل، فاسرائيل هي التي اعطت الاوامر، ولكنْ هناك شخص نفذ ولا يزال طليقاً، وهو الذي نبحث عنه». وعندما يسأله الكاتب: «وكيف تنظرون الى اتهامات محمود عباس؟»، يسارع الطيراوي الى القول: «عباس لم يتهم دحلان». ويستغرب الكاتب ان يجيب هكذا برغم انه لم يسأله عن دحلان.
يشار الى ان لجنة التحقيق الفلسطينية لم تتألف الا بعد 6 سنوات من وفاة عرفات، وهذا في حدّ ذاته واحد من اسئلة كثيرة مشككة يطرحها المؤلف، وبينها : لماذا تاخرت اللجنة؟ لماذا لم يحصل تشريح لجثة عرفات؟ لماذا استبعد الفرنسيون فورا احتمال التسميم المتعمد، واعلنوا ان سبب الوفاة غير محدد، ولماذا انتظرت سهى عرفات ارملة الزعيم الفلسطيني 7 سنوات قبل ان تلجأ الى فحص ثياب زوجها، التي كانت في شقة سائقها الباريسي؟ ولماذا تخاصمت مع ابن شقيق عرفات ( ناصر القدوة) عام 2012 لناحية اعادة نبش رفاته لفحصه، ولماذا لم ينشر تقرير الخبراء الفرنسيين؟ ولماذا اعيدت صياغة التقرير الروسي في وزارة الخارجية، ولماذا لم يستجب القضاة الفرنسيون لطلبات لجنة التحقيق الفلسطينية؟» وحده السؤال الاخير يجد جوابا فيه من الشكوك الكثيرة، ذلك ان القضاء الفرنسي يقول انه لا يمكن ان يستجيب لسلطة فلسطينية لم تصبح دولة ليعاملها بالمثل، وعليها ان تلجأ بالتالي الى لجنة الانابة القضائية الدولية، فلماذا لم تتقدم السلطة الفلسطينية حتى الان بطلب قضائي كهذا الى فرنسا؟
اسئلة كثيرة، توحي كأن الكاتب الفرنسي يريد القول إنه ما من احد يريد ان تكشف قضية عرفات لسبب مجهول. ويضيف: «ما عاد مقبولا اليوم ان رجالا ونساء يناضلون من اجل حقوقهم وسيادتهم واستقلالهم وديمقراطيتهم لا يعاملون كشعب راشد يجب حماية كرامته».
كتاب فعلا جرئ ، في بلد صار فيه مجرد الاشارة الى اسرائيل سببا لاتهام القائل بالعنصرية او «اللاسامية»، وكأن السامية محصورة باليهود.
0 التعليقات:
إرسال تعليق