صامد

صامد

الأحد، 10 أغسطس 2014

حربهم الدعائية ضدنا، وحربنا ضد من..بقلم: بكر أبوبكر

صامد للأنباء -
( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (الحج- 39 )
يخوض الفلسطينيون حربا دعائية شرسة موجهة الى عقولهم ونفوسهم، في ظل مواجهتهم الشاملة للعدوان الصهيوني الذي بدأ من الخليل، ليعم كل الضفة والقدس، ويصل ذروته في شهر يوليو 2014بالعدوان على القدس ثم على قطاع غزة.
وفي خضم رد العدوان تظهر حقيقة النفوس، وكل أشكال الحرب النفسية[1] والدعاية[2] وفنون الكذب والمصايد الالكترونية وحرب المعلومات والسيطرة على فكر وعقل وقلب وتوجهات الآخرين بكل وضوح، إذ يصبح التشويه والاجتزاء والتدليس والتلاعب مهمة مركزية تبغي التشكيك الى حد الهزيمة ما يستدعي منا حُسن النظر والمواجهة، فكسب الحرب يعني أن نكسب أنفسنا واهدافنا ووحدتنا، ولا يعني أبدا أن ننشغل ببعضنا البعض فينجح العدو وتذهب ريحنا.
إن ادوات التفكير ثلاثة هي الصور والرموز والمفاهيم (الكلام)[3] وهي ما يصنع إما الصورة الذهنية (image)[4] أو الصورة النمطية (sterotype)، ما يجب في سياقه أن نتعلم صناعة الصورة الذهنية الايجابية والصادقة بحرفية، ونرفض إسقاط تلك المقولبة النمطية ما هي تدليس واكاذيب.[5]
هناك عملية دعاية سوداء وقصف للقلوب بالأكاذيب[6] موجهة نحو الجهلاء والبسطاء والأميين ،[7]ومن اسماهم الرسول عليه السلام "الامعات". "لا رأي لهم يميلون حيث تميل الريح" أو وبتعبير الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب: ( أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح ) تستهدف استباحة عقولهم وأنفسهم و"لاوعيهم"، والعبث في صحراء العقول أو غاباتها،وهم المتلقّون الجهلة السلبيّون فيتحولون بوق للأعداء وما يشعرون، فيحرفون البوصلة، فالحذر الحذر هو ما نحتاجه ، والاعتصام بمبادئنا ،وان نكون صفا واحدا موحدا ضد العدو الرئيسي ولا نتخلى عن إيماننا بالله وثقتنا بأنفسنا وانتمائنا الذي يجب أن لا تزعزعه الرياح من شياطين الإنس.
(يعد الإعلام جهازاً فكرانيا (=أيديولوجياً )يتعاون مع الأجهزة الأيديولوجية الأخرى في المجتمع كالمدرسة والأحزاب والنقابات والجماعات الضاغطة والمؤسسات الدينية (والشابكة) وغيرها لوضع إطار الأيديولوجية المسيطرة في المجتمع . وقد استطاعت الأيديولوجيات المسيطرة في الدول الإمبريالية توظيف القيم الإنسانية والشمولية في المجتمعات الأخرى لخدمة أهدافها من خلال الدفاع عن حق الحياة والديموقراطية وحرية إبداء الرأي وقيم الدين والسلام واستمرار الجنس و"معاداة السامية" وحقوق الإنسان.. من أجل تبرير تدخلها في شؤون الدول الأخرى من جهة ، ولخلط الأوراق )[8]
إن أسس المواجهة تقتضي الحقيقة والسعي لها دوما، بوعي وفكر منفتح وتدريب، فلا مناص عن ذكر1- الحقائق الواجب ذكرها في وقتها، 2-ولا محيد عن تحلينا بالإيمان والثقة بأنفسنا وأهدافنا وقيمنا وقادتنا وعدالة قضيتنا، ما يظهر بالمواقف تجاه بعضنا والأداء ، كما يجب أن نؤكد على 3-إبراز الصورة الموحدة والخطاب الموحد أيضا، وإن بأشكال وألوان متعددة 4-وأيضا في العمل الميداني الذي يقلب الصورة المقولبة من الآخر تجاهنا، 5-كما أن وسائل التواصل الإعلامي والإنساني وآليات إيصال الفكرة من تكرار وتنوع وتكثيف وإيجاز معجز ومباشرة يجب أن تكون من مكونات وسائل المواجهة عبر خطابنا.


[1]تستهدف الحرب النفسية إضعاف القدرة النضالية للخصم، وخفض معنوياته، وتشكيكه في عدالة قضيته، وفي نفس الوقت العمل على رفع الحالة المعنوية للطرف الذي يشن الحرب النفسية، وكذلك رفع قدرته الكفاحية، وزيادة قدرته على النضال والصمود والتضحية والبذل والعطاء.
[2] يقصد بالدعاية عمليات نشر معلومات باتجاه معين من جانب فرد أو جماعة في محاولة منظمة للتأثير في الرأي العام وتغيير اتجاه الأفراد والجماعات باستخدام وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير.
وتعرف الدعاية بأنها « استخدام أي وسيلة من وسائل الإعلام العامة أو الشعبية بقصد التأثير في عقول وأفراد جماعة معينة أو عواطفهم من أجل تحقيق غرض عام معين، سواء كان هذا الغرض عسكريا أم اقتصاديا أم سياسيا وذلك في إطار خطة منظمة ».
والدعايةفي عرف الإعلاميين مليئة بالأكاذيب وهي عدوة الحقيقة وإنما بناها أصحابها وفقا للنظام الديمقراطي لأنهم زعموا أن رأي الفرد له أهميته والمسئولية الاجتماعية تقع على عاتق الجماعات ولذلك فإنهم يريدون أن يظهروا بمظهر حضاري يجذب أصحاب الثقافات التي تتخبط في الظلمات ليعتنقوا دينهم، ولكنهم اختلقوا الدعاية التي بها يؤثرون في الرأي العام اعتمادا على التزيين والتشويه بحسب الحاجة.
[3](استوقفتني أبيات الدعاية المشهورة التي قالها الشاعر الدارمي , والتي يروي قصتها الإمام الأصمعي والذي قال : قدم عراقي بتجارة من خُمُر - مفردها خمار والذي تلبسه المرأة على الرأس- إلى سوق المدينة فباعها كلها إلا الخُمُر سوداء اللون , فقد بقيت ولم يشتر منها أحدٌ ،فشكا التاجر أمره إلى الشاعر الدارمي فانجدهُ بثلاث أبيات من الشعر قال فيها
قل للمليحة في الخمار الأسودِ - ماذا فعلت بزاهدٍ متعبدِ
قد كان شمر للصلاة ثيابه - حتى خطرت له بباب المسجدِ
رُدّي عليه صلاته وصيامه - لا تقتليه بحق دين محمدِ
إنه يقصد أن الخمار ذي اللون الأسود يضفي جمالاً ورونقاً متميزاً على من تلبسه من النساء يصل إلى حد أنّ "الشاعر الدارمي" قد فـُتن بالجمال الأخّاذ الذي أضفاه خمار أسود على امرأة كانت تلبسه ،وقد رآها الشاعر فقال فيها تلك الأبيات التي شاعت وانتشرت على ألسن الناس انتشار النار في الهشيم ،فلم تبق مليحة من النساء إلا واشترت خماراً أسود, فنفذت كل الخمر السوداء من التاجر العراقي الذي رجع إلى بلده بربح وفير .
لقد استوقفتني تلك الأبيات ومقدار تأثيرها في عقول وأذهان الناس بحيث وصلت إلى الحد الذي غيرت فيه من قناعات النساء ،خاصة وهن اللائي كن يزهدن في الخمار ألاسود الصالح الخُمُرِ ذات الألوان الزاهية , وإذا بهذه الأبيات تغير القناعات ويصبح الخمار الأسود هو موضة تلك الأيام ومطلب النساء وغاية المليحات , الأمر الذي أثر على سوق الخمر ورواجها .
هكذا هي الكلمة إذن وهكذا هو تأثيرها . وسواء كانت هذه الكلمة مسموعة أو مقروءة فإنها أصبحت وسيلة وأداة تحريك السوق , وهذا ما نراه عبر اعتماد الدعايات في وسائل الإعلام ؛ الرائي (=التلفزيون) والإذاعة والصحيفة ومواقع الشابكة (internet) ولافتات الشوارع، والتي تصب في النهاية في صالح ترويج هذه البضاعة أو نشر ذلك المنتوج أو التعريف بالماركة الفلانية أو جذب الناس إلى ذلك المجمع التجاري، وباختصار فإن الهدف النهائي هو الربح المادي وكسب المال . (الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الحركة الاسلامية في فلسطين 1948)
[4]الصورة الذهنية هي خبرة ذهنية في غياب مؤثر حسي كما يقول العالم ريتشاردسون، وهي تبنى على حقائق ومعلومات صادقة أما الصورة المقولبة أو النمطية فهي توليفات فنية فلسفية سياسية، غير موضوعية أو علمية، أفكار تبسيطية، أفكار متعصبة، علاقات مضللة، والصورة الذهنية هامة للتنظيم السياسي لأنها تشكل طريقة النظر اليهه،والسُمعة التي تعبّر عنه.في القولبة أيضا اطلاق الأحكام جزافا ونظرة سلبية مسبقة عن الآخر.
[5] يقوم الإنسان بعملية "التصنيف" لأي أمر يرد إلى ذهنه حيث يقوم بالتسهيل على دماغه بفعل ذلك، إلا أنه إذا ارتبط بالفكرانية والتعصب واللاموضوعية يصبح "تنميطا" (وليس تصنيفا فقط) للحوادث والأمور والأشخاص في سياق لا يستطيع من خلاله أن يلتفت للفروق (فهؤلاء سود وهؤلاء بيض أسهل من تعدادا ألوانهم في ذهنه، وهذا مسلم وذاك مسيحي وما يعني ذلك لكل طرف من معنى، أو هذا علماني=كافر، وذاك إسلامي=الجنة في تنميط التنظيمات الفكرانية الأيديولوجية...الخ)، والتنميط يجعل من متلقيه ينحون نحو "التعصب" فيصبح كل ما هو يهودي عدو ويجب قتله كما هي شرعة التلمود، ومن يعتنفونه، ويصبح كل من هو ليس منا (كحزب أو جماعة ..) إما فاسق أو مرتد أو منافق يجب قتله في شرعة المتطرفين الاسلامويين أيضا. لكن في العقل "مصفاة" قابلة للتطوير ما تحتاج جهد ذاتي وجهد منظم لأنها تستطيع أن تنقي وتحلل وتحكم.
[6] يمكن الاطلاع على كثير من الأبحاث المتعلقة بالموضوع تحت أي من العناوين المثيرة التالية: حرب المعلومات، الدعاية (السوداء والرمادية والبيضاء)، البروباغندا، نظرية الطلقة السحرية، غسيل الدماغ، الحرب النفسية،حرب الأفكار، المصيدة الالكترونية، الشائعات، صناعة الكذب، الخطاب الإعلامي الموجه أو المسيطر أو المضلل، جهاد الشابكة (internet)، الإرهاب الالكتروني، خرافة الرأي والرأي الآخر، صناعة الموضوعية والحياد، قصف العقول، التنويم المغناطيسي والدعاية، خفافيش أو عناكب العالم الرقمي، أشباه الاخبار، تلغيم الاخبار،...الخ
[7] يقول د.ساجد العبدلي أن الأميات أربعة: هي أمية الكتابة والقراءة ، ثم أمية اللغة الثانية، بعدها تأتي أمية الحاسوب وتقنياته والهواتف الذكية، ثم والامية الأخطر هي أمية "التفكير السليم".
[8] اقتباس من الكاتب العراقي ابراهيم الداقوقي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

فلسطيني وأفتخر

فلسطيني وأفتخر