صامد

صامد

الاثنين، 18 يوليو 2016

تقرير الرباعية... تقرير قتل الأمل

صامد للأنباء -


بقلم: د. دلال عريقات
 
تبنى الفلسطينيون استراتيجية لتدويل التعامل مع القضية والتركيز على العمل متعدد الأطراف لفرض موعد نهائي لإنهاء الاحتلال وتحقيق حلم الدولة من خلال تفاوض جدي برعاية وآلية دولية. هذا الطموح بموقف دولي أو أوروبي موحد تم قتله بعد تقرير الرباعية الدولية الذي طال انتظاره.
يبدأ التقرير بالتأكيد على هدف الوصول لدولتين وتحقيق سلام عادل يضمن الأمن للاسرائيليين من جهة وينهي الاحتلال ويضمن الدولة والسيادة للفلسطينيين من جهة أخرى حسب قرارات الشرعية الدولية ٢٤٢، ٣٣٨. حيث من المفترض أن تعمل الرباعية والتي تتشكل من (الاتحاد الأوروبي والامم المتحدة وروسيا و أمريكا) مع مجلس الأمن لإعادة الأمل بالحل السياسي.
ولكن في حقيقة الأمر لقد قتل هذا التقرير كل الأمل؛ تحت بند العنف والتحريض، نرى التقرير يركز على العنف وأعمال 'الإرهاب' ضد الإسرائليين مشيرا إلى أنها بدأت في تشرين الاول ٢٠١٥ بمعدل ٣-٤ هجمات يومية أودت بحياة ٣٠ إسرائيليا بالطعن أو الدهس أو التفجير! ويؤكد التقرير أن هذه الأعمال 'الإرهابية' على حد وصفهم هي وراء شعور الاسرائيليين بالتهديد اليومي! ثم بعد كل التقديم المستفيض عن أشكال 'الإرهاب' الفلسطيني ينتقل التقرير لذكر أن ١٤٠ فلسطينيا قتلوا خلال تنفيذهم عمليات عنف وأن ٦٠ اخرين قتلوا خلال التظاهر ضد قوات الأمن الإسرائيلي.
اندهشت عند قراءتي للتقرير فهو يشهد أن عدد الهجمات انخفض كثيرا في ٢٠١٦ بجهود التنسيق الأمني المشترك وجهود قوات الأمن الفلسطيني ولكنه يعود ليركز على التفجيرات التي حصلت في اسرائيل ومواقعها ويقدم سياسات الاحتلال الاسرائيلي من اعتقالات وإغلاقات وهدم للبيوت كلها كرد فعل محملا العنف والتحريض الفلسطيني على حد قوله كل المسؤولية عن تردي الأوضاع وعدم الاستقرار.
حتى عندما أخذ كاتب التقرير نفسا عميقا وتحدث عن الفيديو التحريضي الذي يصور جيش الاحتلال يعدم فلسطينيا بدم بارد رجع الكاتب فجأة ليشيد بمسؤول أمني إسرائيلي رفيع عبر عن قلقه تجاه الموضوع! من البديهي جدا لكل مطلع أو من زار المنطقة رؤية أن هذا التقرير بعيد كل البعد عن الحيادية والمسؤولية الدولية.
في نهاية الحديث عن العنف، يتطرق التقرير باختصار شَدِيد لقصة دوما في ٢٠١٥ وحرق الشاب المقدسي في ٢٠١٤ ويعود ليذكر كيف أن مسؤولي أمن اسرائيليين اعتبروا هذه الأعمال إرهابية وتزيد شعور المواطن الفلسطيني أنه مخترق! أود هنا باسم الشعب الفلسطيني أن أحيي كاتب التقرير الذي أستنتج بأننا نشعر أننا مخترقون، فهذا اكتشاف جديد! وأود أيضا أن أخبر الكاتب والمحللين والراعين الأربعة أن تقريرهم دمر الثقة التي كنّا نضعها بهم وقتل الأمل الفلسطيني الذي نعول عليه بوجود إطار وضمير دولي وأنا هنا أطالب باغلاق مكتب الرباعية في فلسطين، فهو وبالتجربة أثبت أنه لا يمثل سوى هدر للأموال والطاقات وتضييع للوقت تحت اسم دراسات ومستشارين ومشاريع حيوية لم تعمل إلا على تقوية المشروع الاقتصادي لنتنياهو على حساب المشروع السياسي.
وتحت بند التحريض يعود التقرير ليضع المسؤولية على الجانب الفلسطيني فقرر تقرير الرباعية الإشارة بتفصيل لافت للنظر إلى أن الفلسطينيين يطلقون اسم شهداء وأبطال على منفذي الهجمات وكيف أن عددا من المدارس والشوارع حمل اسم منفذي الهجمات، مشجعين بذلك العنف و 'الاٍرهاب'.
وما يدهشني حقيقة هو تمادي هذا التقرير الذي يتناول الهبة الشعبية أو 'موجة العنف' على حد تعبيره التي بدأت في تشرين الأول ٢٠١٥ بين الشباب الفلسطيني من دون أي ربط لها بحرق عائلة الدوابشة. أيعقل أن أيا من الباحثين والمستشارين العاملين على التقرير لم ير شرارة هذه الموجة من العنف تحدق من عيون الطفل الذي فقد كل أفراد عائلته ولم يتبق له سوى جسده ووجهه الجميل المتأثر بالحروق التي تشهد على المجزرة ؟!
يخاف الفلسطينيون اليوم من مصادقة مجلس الأمن الدولي على التقرير وتبني توصياته كآلية لاحياء عملية السلام، لذلك يطالب الفلسطينيون الامم المتحدة تأييد وتبني المبادرة العربية والمصرية والفرنسية، فأي مبادرة أفضل من هذا التقرير المبعثر للامال.
التقرير يشدد على أهمية استثمار مناطق (ج) لتحقيق نمو واستدامة فلسطينية مؤكدا على ضرورة أن تخفف اسرائيل من سياساتها التوسعية والاستيطانية معتبرا الانفجار الاستيطاني كمآ وعددا ومساحة معيقا في طريق الحل وتحقيق دولة فلسطينية ولا يجرؤ التقرير بأي حال أن يفرض على اسرائيل أي عقوبات لضمان وقف أو تفكيك المستوطنات تماشيا مع القرارات الدولية التي تبنتها الامم المتحدة سابقا.
التقرير يعتبر التحريض الفلسطيني أساسا للمشكلة ولا يجرؤ أن يذكر أن المستوطنات غير قانونية ولا يصِف عنف المستوطنين بالارهاب ولا يتطرق لموضوع اللاجئين وحق العودة ويمر مرورا سريعا على حاجة الفلسطينيين للمياه والموارد والكهرباء والتطوير والزراعة والسكن دون أن يفرض على اسرائيل أية اليات لضمان هذه الحقوق الإنسانية الأساسية للفلسطينيين.
وفي جانب اخر، يحمل التقرير الفلسطينيين كل المسؤولية على مختلف المستويات، فلأول مرة أرى تقريرا دوليا على هذا المستوى يقارن بين مسؤولية فتح وحماس فيضع التقرير اللوم على حماس ويحملها المسؤولية على التحريض ضد اليهود باستعمال وسائل الإعلام والاحتفال بالعمليات والهجمات ضد اليهود! ولكن التقرير لا يكتفي بلوم حماس بل يخصص فقرة خاصة لتحميل فتح ومسؤوليها المسؤولية عّن التحريض ويتمادى التقرير ليتعرض للسلطة الفلسطينية وكيف أنها برغم تعبيرها عن التزامها بمقاومة سلمية وموقفها ضد العنف ضد المدنيين إلا أن التقرير يذكر أن هذه القيادة لم تستنكر هذه المرة الهجمات و'العمليات الإرهابية'. وبهذا حمل التقرير السلطة الفلسطينية المسؤولية وغاب عن ذهن كل من عمل على هذا التقرير أن كل ما حصل من هبة شعبية ومن عدم استقرار في المنطقة أساسه الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يحترم أي قيمة إنسانية كانت أو قانونية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

فلسطيني وأفتخر

فلسطيني وأفتخر